maheronline

ماهر انلاين: موقع سياسي اجتماعي بختص في الأخبار السياسية والأحداث على الساحة العربية الإسرائيلية ونزاعاتها مع الدول الغربية وإيران وإسرائيل

الشريط الإخباري لموقع الجزيرة نت

الأحد، 13 مايو 2012

شلومو أفنيري- الحقيقة ليست مجرد سرد منحاز

شلومو أفنيري- الحقيقة ليست مجرد سرد منحاز

شلومو أفنيري

في الأول من أيلول/ سبتمبر عام 1939، أعلنت ألمانيا النازية الحرب على بولندا. هذه هي حقيقية وليست مجرد سرد قصصي يحمل في طياته أي انحياز. وفي السابع من كانون الأول/ ديسمبر عام 1941 هاجمت الطائرات اليابانية الأسطول الأمريكي في ميناء "بيرل هاربر" ودمرته. هذه أيضاً حقيقة وليست مجرد سرد قصصي يتضمن أي انحياز.

من المتعارف عليه وجود قصص وسرد روايات في الواقع التاريخي. على سبيل المثال، أطلق الألمان عدة ادعاءات ضد البولنديين، كان أولها في اتفاقية فرساي عام 1918، عندما قام الحلفاء المنتصرون بانتزاع مناطق من ألمانيا بما تحويه من عدد كبير من السكان ألألمان الإثنيين وضمها إلى بولندا فيما أطلق عليه اسم  ("الممر البولندي") ومنحت مدينة "دانتزيغ" الألمانية مكانة دولية. إضافة إلى ذلك ادعت ألمانيا النازية أن السلطات البولندية كانت تمارس التمييز بحق الألمان الاثنيين الموجودين تحت سيطرتها. لم تكن كافة ادعاءات القصة الألمانية عارية عن الصواب، لكن الحقيقية على أرض الواقع كانت جلية وواضحة، وهي أن ألمانيا هاجمت بولندا، وليس العكس.

كذلك الأمر، هناك السرد الياباني لما حدث عندما فرضت الولايات المتحدة وبريطانيا وهولندا حظراً على تصدير الحديد الفولاذ والنفط إلى اليابان كي تضع هذه الدول العراقيل في حرب اليابان مع الصين. في هذا الصدد، اقترحت اليابان إجراء مفاوضات حول هذا الموضوع، ولكن الولايات المتحدة رفضت ذلك. إلى ذلك، رأت اليابان في الحظر الاقتصادي المفروض عليها خطوة عدوانية تهدد بإنهاك اقتصادها. وقد كانت هذه الادعاءات ذات أهمية، ولا يمكن التغاضي عن أن موقف الولايات المتحدة وبريطانيا كان يحوي بعض العنصرية البيضاء تجاه القوى العظمى الصاعدة "الصفراء" في شرق آسيا. لكن الحقيقة هي أنه في تاريخ 7 كانون الأول/ ديسمبر 1941 قامت اليابان بمهاجمة الولايات المتحدة، وليس العكس.

ما أهمية هذا؟ في النقاشات التي تدور مؤخراً في مسألة النكبة قيل أكثر من مرة أن هناك روايتين: الرواية الإسرائيلية والرواية الفلسطينية، ومن الضروري الإصغاء لكلا الروايتين. الادعاء الإسرائيلي- الصهيوني يتطرق إلى الوطن التاريخي للشعب اليهودي وضائقة اليهود، وبالمقابل هناك الادعاء الفلسطيني الذي ينظر إلى اليهود على أنهم طائفة دينية فقط وأن الصهيونية هي ظاهرية إمبريالية. لكن، ومع كل هذه الادعاءات توجد الحقيقة البسيطة، والواقع البعيد عن السرد الروائي هو أنه في عام 1947 قبلت الحركة الصهيوينة بقرار التقسيم الذي أصدرته الأمم المتحدة، بينما رفض الطرف العربي القرار وخرج معلناً الحرب. ولقرار الخروج إلى الحرب توجد عواقب، تماماً كما حدث لألمانيا في عام 1939 أو ما تكبدته اليابان في عام 1941. 

تظهر أهمية هذا الادعاء عند التمعن في المقابلة التي أجريت مؤخراً في صحيفة "نيويورك تايمز" مع محمود عباس (أبو مازن)، حيث أشار عباس في المقابلة إلى قرار التقسيم، ولكنه لم يتطرق ولو بكلمة واحدة إلى الحقيقة حول من قبل بقرار التقسيم ومن رفضه، وتحدث في المقابلة فقط عن قيام إسرائيل "بطرد الفلسطينيين بشكل جماعي" في أعقاب القرار .

هذا مثال على أولائك الألمان الذين يتحدثون عن الأوصاف المريعة لطرد 12 مليون ألماني- إثني من شرق أوروبا بعد عام 1945 دون التطرق إلى الهجوم النازي على بولندا. وكذلك فعل اليابانيون الذين يتحدثون عن هيروشيما ولا يذكرون هجومهم على "بيرل هاربر". هذه الأحداث لا يمكن أن تكون سرداً قصصياً، بل تتطلب قول الحقيقة. وبذلك لا يمكن أن نفصل النتائج عن الأسباب.

ينبغي علينا أن نتفهم آلام الآخرين ونحترمها. إن محاولة منع الفلسطينيين من إحياء ذكرى النكبة أمر غير أخلاقي، تماماً كما لا ينبغي لأي شخص أن يمنع أحفاد اللاجئين الألمان في شرق أوروبا من استذكار آلامهم. ولكن، كما لا ينبغي لأي شخص أن يفكر ، ولو حتى في المدارس الألمانية، بتدريس السرد القصصي الألماني حول مجريات الحرب العالمية الثانية، لا يمكن أن ندرس حرب 1948 كنزاع بين سردين قصصيين. في نهاية المطاف، هناك حقيقة تاريخية. لذلك، يجب أن نُعلم هذه المواضيع الحساسة دون أن نتجاهل آلام الآخرين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Popular Posts