maheronline

ماهر انلاين: موقع سياسي اجتماعي بختص في الأخبار السياسية والأحداث على الساحة العربية الإسرائيلية ونزاعاتها مع الدول الغربية وإيران وإسرائيل

الشريط الإخباري لموقع الجزيرة نت

الثلاثاء، 22 مايو 2012

ماذا تغير في العشرين سنة الماضية؟ وقت أطول في العمل ومصاريف أكثر وتخصيص وقت أقل للعائلة


ماذا تغير في العشرين سنة الماضية؟ وقت أطول في العمل ومصاريف أكثر وتخصيص وقت أقل للعائلة

قام مراسلو TheMarker بإجراء مقارنة بين حياتنا اليوم وقبل 20 سنة والنتيجة: ارتفاع مستوى المعيشة مع أننا نعمل ساعات أقل في العمل، إذن لماذا نعاني من كل هذه الضغوطات؟ ربما يعود ذلك إلى أن الأغنياء ازدادوا غنى، أما الفقراء فقد ازدادوا فقراً في العقدين المنصرمين.


في العشرين سنة الماضية ازداد نمو الاقتصاد الإسرائيلي، حيث انتعش سوق المال والأسهم، وقل العجز في ميزانية الحكومة مما كان عليه في سنوات التسعينيات من القرن الماضي وازداد تطور سوق العمل. وارتفعت كذلك الرواتب التي نتقاضاها في العقدين الأخيرين بنسبة كبيرة.

لقد استغل معظمنا الفرصة وانطلق في رحلة تسوق ما زالت مستمرة منذ 20 سنة، تزودنا خلالها بمنتجات الكهرباء والأجهزة الإلكترونية والملابس والمنتجات التي تعتبر رموزاً للطبقية على اختلاف أنواعها، وازداد سفرنا إلى خارج البلاد واستجممنا أكثر في داخل البلاد. إن لم يكن ذلك كافياً، فإن الفحص الذي أجرته TheMarker الذي يقارن بين مستوى حياتنا وجودة حياتنا اليوم مقابل ما كان قبل عقدين وثلاثة عقود يظهر أن أسبوع العمل قد تقلص، ونحن نعمل اليوم ساعات عمل أقل مما كان عليه في الماضي.

على الرغم من هذا لسنا راضين. لماذا؟ هذا سؤال وجيه! بحسب معطيات منظمة OECD قد يكون الجواب هو نسبة الفقر المرتفعة في إسرائيل، والفروق الكبيرة في الدخل ومستوى الحياة المتدني الذي يقدم بحد ذاته سبباً كافياً، كل هذا قبل أن نأخذ بالحسبان التوتر الأمني الدائم. كذلك، ارتفع مستوى الحياة في إسرائيل بوتيرة أبطأ مما هو في الدول المتطورة ولم يتم تقسيم ثمار النمو والازدهار الاقتصادي بشكل متساو (أنظر الإطار). كذلك طرأت معظم حالات الزيادة والارتفاع في مستوى الحياة في سنوات التسعينيات، أما الارتفاع في العقد الماضي فقد كان أقل حدة. وبالطبع، يمكن أن نقول إن سبب الحالة التي نعيشها تتمثل في غياب التضامن في المجتمع.

ولكن، هناك أيضاً التغيرات في طبيعة عملنا التي لا بد من أن نتطرق إليها عندما نتحدث عن وضعنا النفسي: إلى جانب الزيادة في المرتب والمرونة في ساعات العمل، ووجود عدد أكبر من العمال يعملون ليس فقط من الساعة 9:00 حتى 17:00 إنما أكثر من ذلك بكثير أمام شاشة الحاسوب في البيت وأمام شاشة الحاسوب النقال في المقاهي وفي العطل. كل هذا ناهيك عن كوننا دوماً في نطاق التغطية من خلال الهاتف الخلوي. هذه التطورات تضاف إلى الحقيقة والواقع الذي يشير إلى أن الناس في إسرائيل يعملون ساعات أكثر من غالبية الدول المتطورة- نعم، أكثر بكثير- ونسبة المدمنين على العمل في إسرائيل أعلى مما هو الأمر في غالبية الدول المتطورة.

هذه الأمر له تأثير على حياة العائلة بالطبع. يكفينا أن ننظر إلى عدد الأزواج الذين يقدمون على الطلاق، حيث أن هذه الحالات في ازدياد دائم. ففي الفترة ما بين 1985-1989 كانت نسبة الطلاق في إسرائيل 1.2% لكل 1000 شخص، مقابل 1.8% في عام 2008.

يبدو أن الإسرائيليين قد حولوا مصطلح "العمل هو حياتنا" إلى طريقة حياة. هناك أكثر من 75% من المشاركين في استطلاع مكتب الإحصاء المركزي في عام 2009 قالوا إنهم يستمرون بالعمل حتى لو أنهم لم يكونوا مضطرين من ناحية مالية لأن يقوموا بذلك. كما يمكننا من خلال الإطلاع على سلم أولويات العمال أن نرى أن هناك نسبة لا تتعدى 25% من أولئك الذين قالوا إنهم سمحوا للعائلة بأن تشوش على عملهم ووجدوا صعوبة في العمل بسبب التزاماتهم العائلية في العام الماضي، مقابل نسبة 41% من جمهور العاملين الذين قالوا إنهم وجدوا صعوبة في القيام بواجباتهم العائلية بسبب التزامات العمل في السنة الماضية.




"هذا جنون مطلق"

يتبين من فحص TheMarker، واستناداً إلى عشرات المعطيات التي توصل إليها مكتب الإحصاء المركزي، كيف تغيرت حياتنا في العشرين سنة الماضية، يتبين من ذلك أن العقدين المنصرمين كانا ايجابيين بالنسبة لغالبية قطاعات الجمهور، حيث بلغ متوسط الأجر في الاقتصاد الإسرائيلي في نهاية عام 2010 نحو 8777 شيكل، أي بارتفاع نسبته 25% من متوسط الأجر في عام 1992، وارتفاع بنحو 1.2% سنوياً.

بموازاة ذلك، لم يطرأ تغير ملموس على ساعات العمل في الأسبوع خلال الـ-20-30 سنة الماضية. وفي الواقع، فقد تقلص بساعة ونصف منذ سنوات الثمانينات من 40.4 ساعة عمل في الأسبوع في عام 1982 إلى 38.8 ساعة عمل في الأسبوع في عام 2009.

يمكن أن ننظر إلى هذه المعطيات على أنها مفاجئة إلى حد ما مع الإحساس بالضغط الذي يرافق العديد من العمال. تحدثنا إلى عدد من الخبراء الذين قدموا لنا بعض التفسيرات المحتملة لهذه الفروق. ومن بين سائر الأمور التي تم التطرق إليها، تبين أن الشعور بالضغط ازداد عما كان عليه الحال في الماضي، والذي يترافق مع توسيع دائرة العمل ودخول العديد من النساء إلى سوق العمل، حيث تعمل النساء ساعات أقل، مما يقلل من المعدل العام لساعات العمل في الأسبوع.

لكن هناك تفسير واحد يتفق عليه الجميع، حيث يعتقد المختصون أن المعطيات الرسمية لم تعد ذات صلة بالنسبة لسوق العمل اليوم. ووفقاً لما يقول الدكتور يائير عميحي-همبورغر، وهو أخصائي نفسي اجتماعي-تنظيمي ورئيس معهد دراسة علم النفس بالانترنيت في مركز بين المجالات: "لم يعد هناك فصل تام بين يوم العمل والحياة الخاصة في المنزل." وأضاف الدكتور يائير عميحي-همبورغر أنه "في الماضي عندما كان الإنسان ينهي يوم العمل يصبح حراً."

اليوم نخرج من مكان العمل لكن العمل يبقى ملازماً لنا في الحاسوب النقال وبواسطة البريد الإلكتروني والهاتف الخلوي. حتى عندما يخرج الناس في عطلة يأخذون العمل معهم إلى الفنادق والنزهات والأفلام والمسرح.

"نتحدث عن جنون مطلق! لا يمكننا التهرب أو الانقطاع عن العمل. بالطبع توجد عناصر ايجابية في التكنولوجيا التي تسمح لنا بأن نكون على تواصل مع العالم، لكن عندما يبلغ هذا الوضع درجة مفرطة يشعر فيه الناس بأنهم ملزمون بأن يكونوا على تواصل مع العمل ولا يتمكنون من الانفصال- يصبح أمراً خطيراً.

ما من شك أن الأشخاص العاملين في شركات الهايتيك وفي شركات المحاماة الكبيرة وفي سوق المال وفي مجالات أخرى يعملون ساعات أطول وأطول، سواء في البيت أو في المكتب. من الصعب تمييز ذلك في المعطيات المجردة، لكنهم هناك يعملون أكثر مما كانوا يعملون في الماضي. بحسب ما يقوله عميحاي-همبروغر، كلما زاد تعرض المنظمات إلى المنافسة الدولية وللمنظمات في خارج البلاد بشكل أكبر يزداد الضغط على العمال وكذلك على المنظمات. ويضيف عميحاي-همبروغر أن "هذه هي المنظمات التي تخلق تماثلاً مطلقاً بين العامل والمنظمة، وهذا في الواقع ما يجعل العامل عبداً للمنظمة".

خلال إحدى الدراسات الخاصة التي أجراها عميحاي-همبورغر قام بمتابعة شركة "هايتيك" التي تعتبر من أكبر الشركات في البلاد، وقال: "العمال في شركة "هايتيك"  تحت ضغط مستمر. يتبين أن أصحاب المناصب الرفيعة يخلقون على الدوم جواً من الأزمات بين العمال  حتى لو كان ذلك مصطنعاً  من أجل عصر حبة الليمون. يقول العمال إنه يتحتم عليهم أن يكونوا دائماً متيقظين من خلال وسائل الاتصال على مدار 24 ساعة، إنهم يتلقون مكالمات من خارج البلاد في منتصف الليل وإنهم لا يشعرون بالراحة عندما يتركون المكتب حتى في حال عدم وجود عمل. ومع ذلك، لا يمكن خلق حالة من الإبداع والمسدس مصوب نحو رؤوسهم، وفي نهاية المطاف فإن الشعور بالإعياء والإرهاق يسيطر على العمال".

إليكم شرحاً إضافياً عن أسباب ذلك على الرغم من أنه في الواقع لم يطرأ زيادة على ساعات العمل بالنسبة لنا. نحن نشعر بأننا في ضائقة. وكما يقول البروفيسور يتسحاك هربز، رئيس معهد البحوث حول المنظمات وإدارة الموارد البشرية في جامعة حيفا: "يتسم سوق العمل الإسرائيلي بدرجة عالية من القسوة، ولا رحمة فيه أو تضامن أو شفقة." ويضيف البروفيسور ر قائلاً: "نحن نرى المزيد من نظم التعامل مع العمال على أنه أداة للاستعمال لمرة واحدة. أصبحنا أكثر تطرفاً من الأمريكيين وطوروا لنا سوق عمل يتم فيه التعامل مع العامل الذي لم ينجح بالحفاظ على وظيفته وكأن هذا ذنبه".

على الرغم من أنه يقول إن هذا لا ينطبق على كافة المنظمات، هناك جزء منها بالنسبة للإدارة يسهل فصل العمال لأسباب التوفير والفاعلية".

نعمل أكثر مما يعملون في سائر أنحاء العالم

على الرغم من أن وضعنا في المقارنات الدولية سيء للغاية في العديد من المقاييس، يوجد عدد من المعطيات التي تتفوق فيها إسرائيل على غالبية الدول المتطورة. لنأخذ، على سبيل المثال، ساعات العمل. نحن نعمل بمعدل 179 ساعة في السنة أكثر من المعدل العام.  يصل عدد الساعات إلى 1764 في دول الـ OECD  وفي إسرائيل 1943 ساعة عمل. في الواقع، تحتل إسرائيل المرتبة الثامنة من بين 35 دولة من حيث حجم ساعات العمل السنوية للعامل، بينما يعمل الأفراد في غالبية الدول الأوربية أقل بكثير مما هو الحال في إسرائيل.

وفي اليابان، التي تقترن كلمة كاروشي (ومعناها الموت) بالعمل نتيجة لكثرة ساعات العمل، يعمل فيها الأفراد وفقاً للمعطيات بساعات أقل من إسرائيل (1772 ساعة في السنة). كذلك، تجاوزنا نحن في إسرائيل الولايات المتحدة المشهورة بسوق العمل التنافسي الشديد، حيث تبلغ ساعات العمل هناك (1796 ساعة في السنة). وفي الأماكن التي تحتل المرتبة الأولى نجد دول مثل كوريا واليونان وروسيا، حيث يعملون فيها نحو 2000 ساعة سنوياً أو أكثر من ذلك.

لكن الدول التي يعمل فيها الأفراد ساعات أكثر من إسرائيل يتمتع العمال فيها بعدد أكبر من العطل السنوية، بينما عدد أيام العطل في إسرائيل هو الأقل في العالم. في الولايات المتحدة يأخذ العمال عادة 25 يوم عطلة في السنة، وفي اليابان يبلغ عدد أيام العطل المعرفة كحد أدنى في القانون سوية مع عطل الأعياد 36 يوماً، وفي البرازيل وليتوانيا وفرنسا وروسيا هناك أكثر من 40 يوم عطلة في السنة. هنا في بلادنا 21 يوم عطلة في السنة كما هو الحال في الصين.

ما سبب ذلك؟ يعلل البروفيسور ايال كمحي من الجامعة العبرية ونائب مدير مركز طاوب ذلك بالقول: "في إسرائيل ما زال هناك أشخاص يعملون ستة أيام في الأسبوع، بينما في العديد من الدول انتقلوا للعمل بمنظومة خمسة أيام عمل. في دول الرفاه الاجتماعي توصلوا إلى وضع فيه ما يكفي من القوى العاملة، ولذلك يمكنهم أن يقسموا نفس كمية العمل بين عدد أكثر من الأشخاص."

وإن لم تكن هذه المعطيات المحبطة كافية، إليكم هذه المعلومة الطازجة: "تقرير منظمة OECD الذي نشر منذ بضعة أيام فقط يمنحنا لقب سلبي آخر. من الآن إسرائيل ليست فقط "الدولة الأفقر والأكثر انعداما للمساواة" من بين الدول الأعضاء في المنظمة وفقا للتقرير، وإنما إسرائيل هي أيضا الدولة الأكثر كآبة وضغطاً من بين كافة دول المنظمة. يتضح من التقرير أن 39% من الإسرائيليين قالوا إنهم يواجهون صعوبة أو من الصعب عليهم أن يعيلوا أنفسهم من دخلهم الحالي، مقابل ربع سكان دول ال-OECD الذين يشعرون بذلك.

ووفقاً لتقرير المنظمة، أبدى الإسرائيليون أكثر من سائر السكان في الدول في المنظمة عن أكبر عدد من المشاعر السلبية من ألم وقلق وضغط وعصبية وكآبة، وأقل عدد من المشاعر الايجابية مثل الحصول على معاملة تتسم بالاحترام والشعور بالراحة والابتسامات والفعاليات المثيرة للاهتمام وإمكانية التمتع بالأمور.


في إسرائيل مدمنون أكثر على العمل

ما تخفيه المعطيات أيضا من انخفاض في ساعات العمل الأسبوعية هو أن أكثر من نصف مليون شخص يواجهون ضغطاً كبيراً للغاية ويعملون أكثر من 50 ساعة عمل أسبوعية، وهذا العدد أكثر بكثير من المعدل القطري. هناك جزء منهم يضطرون إلى العمل ساعات إضافية لأسباب اقتصادية، فأصبحوا بكل بساطة مدمنين على العمل، فهم بحاجة لمبالغ مالية إضافية ولو على حساب صحتهم وحياتهم العائلية والاجتماعية. منذ سنة 1982 ارتفع عدد هذه الفئة بنحو 20%. هناك فقط 15% من العمال قالوا إنهم عملوا لأكثر من 50 ساعة مقابل نحو 18% في هذه الأيام. مع هذا، في السنوات الأخيرة بدأ عددهم يقل تدريجياً بعد أن وصل الذروة في سنوات التسعينيات (من بين العاملين بوظيفة كاملة).

من بين الرجال اليوم 27.6% يعملون أكثر من 50 ساعة في الأسبوع، مقابل 21.4% في سنوات الثمانينات. وهناك  7.6% من النساء يعملن اليوم أكثر من 50 ساعة في الأسبوع (مقابل عدد هامشي في سنوات الثمانينات). الفرع الذي الأكثر نشاطاً للعمل هو الخدمات التجارية بواقع 50 ساعة في الأسبوع ، حيث تبلغ نسبة الرجال العاملين فيه 42% مقابل 18% من النساء اللواتي يعملن أكثر من 50 ساعة في الأسبوع.

ربما يوجد كثير من هؤلاء العمال المدمنين على العمل في إسرائيل، وهذا ما يتضح من دراسة أعدها البروفسيور هربز بالتعاون مع الدكتور رافي سنير. يتبين من الدراسة أن نسبة المدمنين على العمل هنا هي من الأعلى في العالم حيث بلغت 8.1% من القوى العاملة لتحتل إسرائيل بذلك المرتبة الثالثة بعد الولايات المتحدة (12.5%) واليابان (9.3%).

حسب الدراسة، بلغ معدل ساعات العمل للمدمنين على العمل في إسرائيل نحو 60 ساعة في الأسبوع، وغالبيتهم عمال مهنيون ومدراء، وهناك 70% منهم يعملون في القطاع الخاص والغالبية الساحقة من الرجال (91%). يقول هربز: "لقد اكتشفنا أن من يعتبر مدمن على العمل لا يسيطر على ذلك، ونحن نتحدث هنا عن متغير في الشخصية وليس عن العوامل التي تتعلق بمكان العمل". في دراسة يجريها هربز وسنير في الوقت الحالي يحاول الاثنان أن يفحصا فيما إذا كان الإدمان على العمل قد انتقل إلى أولاد المدمنين أيضا.

نكسب أكثر ونشتري أكثر

مع أن معظم العمال ليسوا مدمنين على العمل، إلا أنهم مأسورين له. يقول البروفيسور عميحي-همبروغر: "مصطلح الوقت يساوي مال ويجعل العمال يشعرون بأن عليهم أن ينجزوا أكثر، وأن يضحوا أكثر وأن يبذلوا أكثر من طاقتهم. هذا يضاف إلى الشعور الذي يتولد لدى الأشخاص بأنهم معرفون وفقا لقدرة الشراء لديهم ومقابل إنجازات الآخرين. هذا يجعلنا في وضع نملك أكثر مما كان يملك الجيل السابق، إلا أننا لا نشعر بسعادة واكتفاء كما كان يشعر بذلك من سبقونا.

بالفعل، نحن نملك أكثر، أكثر بكثير: هناك نحو 80% منا يمتلكون اليوم مكيفاً هوائياً في بيته (في بداية سنوات التسعينات كان يمتلكه فقط 30% من العاملين). اشترينا أجهزة ميكروويف (أكثر من 80% من الناس يملكون اليوم ميكرويف، مقابل أقل من 30% في سنوات التسعينات)، وعدد العائلات التي تملك مجفف غسيل تضاعف ثلاث مرات، وهناك نحو 60% منا يمتلكون سيارات مقابل نحو نصف ذلك قبل عقدين و 9% يملكون سيارتين.

ماذا اقتنينا أيضاً؟ الهاتف الخلوي: 92% منا يمتلك جهازاً واحداً على الأقل، ونحو 70% يملكون أكثر من جهاز واحد، بينما في سنوات التسعينات لم يمتلك هذا الجهاز سوى المدراء رفيعي المستوى. والأمر نفسه ينطبق على النفاذ لشبكة الانترنت، حيث  كان في الماضي شيئاً من الخيال، واليوم هو متوفر  في 66% من البيوت. مشاهدو التلفاز اكتفوا في الماضي بلاقط هوائي واليوم 65% من العائلات مربوطة إما بشركة "يس" (YES) أو "هوت" للكوابل. الجهاز الذي حافظ على مكانته على أفضل نحو على مدار السنوات هو التلفاز: نسبة العائلات التي تملك جهاز تلفاز واحد على الأقل بقيت 90% في العقدين المنصرمين، وأكثر من نصف العائلات تملك أكثر من جهاز تلفاز واحد.

كل هذا أصبح ممكنا بفضل ارتفاع الدخل الصافي للعائلة، الذي ازداد منذ العام 1993 بنحو 18% (حوالي 11 ألف شيكل في الشهر).  مقارنة بذلك، ارتفعت المصاريف الشهرية للعائلة في العام 2009 بنحو 19% (13 ألف شيكل في الشهر). على الرغم من أن الدخل الشهري قد زاد، وهناك الكثير من الأدوات والمنتجات التي انخفض سعرها مع مر السنوات نتيجة لتقدم السوق، وتسمح لنا بأن نشتري منها أكثر- وأن ننفق أقل. من بين هذه الأمور، انخفضت مصاريف الملابس والأحذية بنحو 37%، وانخفضت المصاريف على الأجهزة الكهربائية بنسبة31% والأثاث بنحو 19%.

إذن، على الرغم من ذلك ما هو الجزء الذي زاد في فرع المصاريف الشهرية؟ مجال الاتصال، الذي لم يكن متطوراً في الماضي واليوم لا توجد منافسة حقيقية فيه. لقد ارتفع بشكل حاد لأكثر من 124% إلى نحو 495 شيكل في الشهر، والمصاريف على فواتير الكهرباء والغاز ارتفعت بنسبة 66% إلى 407 شيكل في الشهر. المصروف الشهري الأعلى بالنسبة للعائلات هو المسكن بالطبع، الذي ارتفع في العقدين الأخيرين بنسبة 50% إلى 3168 شيكل في الشهر، والمصاريف على السيارات التي تشمل الوقود ارتفعت بنحو 51%.

كما سجل الارتفاع أيضا في منتجات الثقافة وأوقات الفراغ التي اعتبرت في الماضي كماليات. فقد ارتفعت أسعار العروض الثقافية والترفيهية بنسبة 56% في العقدين المنصرمين. كذلك، ارتفعت مصاريف الطعام خارج المنزل بنحو 50% في هذه السنوات. المصاريف على الرحلات إلى خارج البلاد ارتفعت أيضاًِ
 بنسبة 40%، والدليل على ذلك عدد رحلات الطيران من إسرائيل إلى خارج البلاد التي بلغت في نهاية سنوات الثمانينات نحو 690 ألف، أما في أيامنا فقد بلغ عدد رحلات الطيران التي يقوم بها الإسرائيليون  أكثر من 4 مليون رحلة طيران في السنة.

هناك أيضاً مصاريف شهرية أخرى بحجم كبير تنفق على التربية والثقافة والتي زادت مع السنين بنسبة 34% تصل إلى 1812 شيكل في الشهر. ويعزى هذا الارتفاع إلى ارتفاع بنسبة 66% في مصاريف العائلات على خدمات التربية، التي تشمل دفع أجور لمعلمين خصوصيين ودورات إثراء وتقوية والدفع الاختياري للمدارس ورياض الأطفال. في العقدين المنصرمين حيث تم تقليص ميزانية التربية والثقافة مرة تلو الأخرى، فقد الأهل ثقتهم في هذا الجهاز وبدؤوا يستثمرون لصالح أبنائهم من جيبهم الخاص. وعلى الرغم من أن هذه الزيادة تجسد الحل الذي توصل إليه الأهل لمواجهة الصعوبات في الاستثمار لصالح أبنائهم، إلا أن ذلك فرض عليهم تحمل أعباء ضغط العمل.

التشخيص: كآبة

المعطى الوحيد الذي يمكن الإشارة إليه على أنه تغير ايجابي في سوق العمل هو نسبة مشاركة النساء في العقدين المنصرمين. بلغت نسبة النساء العاملات 41% فقط في بداية التسعينات. وفي الوقت الحالي، بلغت نسبة مشاركة النساء في سوق العمل 52%. في العقدين الماضيين تم جسر الهوة بين دخل النساء والرجال في سوق العمل، لكن الوضع ما زال بعيدا كل البعد عن المساواة. لا يمكن إنكار حقيقة أن النساء كانت تتقاضى ما نسبته 66% من أجر الرجال في العام 2009 أي بمعدل 9526 شيكل للرجال مقابل 6280 شيكل للنساء (مقابل 57% في سنوات التسعينات).

بموازاة ذلك، تقلص أسبوع العمل بالنسبة للرجال منذ سنوات التسعينات بمعدل 44.3 ساعة مقابل 43.1 ساعة في عام 2009، وللنساء ارتفع بمعدل 33.8 ساعة مقابل 33.1 ساعة في بداية سنوات التسعينات. تفسر البروفيسور دالية مور، رئيسة علم السلوك في المسار الأكاديمي لكلية الإدارة ذلك قائلة: "تجلب النساء معهن عادات أخرى أكثر نجاعة وأقل مضيعة للوقت مما يفعله الرجال. فالرجال يسمحوا لأنفسهم باستراحات طويلة في وقت الظهيرة لأنه يمكنهم أن يبقوا في العمل حتى ساعة متأخرة، ربما حتى الساعة 21:00 مساءاً، لكن المرأة تأكل بجانب طاولتها قرب مكتبها في العمل كي تذهب إلى البيت في وقت مبكر".

وفقا لأقوال الدكتور ميخال فرنكل من قسم علم الاجتماع والانثربولوجيا في الجامعة العبرية، فقد طرأ ارتفاع ملحوظ على عدد النساء اللواتي يعملن في مناصب إدارية وبمناصب فيها عدد أكبر من ساعات العمل منذ سنوات الثمانينات. وأضافت فرنكل: "من ناحية، لهذا أفضلية عظيمة من ناحية الاعتناء بالعائلة وتواجد النساء بين أبنائهن،" ومن ناحية أخرى وفقا لأقوال فرنكل "توجد اليوم وظائف مع ساعات عمل أكثر مرونة تسمح بخلق ترتيبات جديدة للاعتناء بالعائلة والتوفيق ما بين حياة العائلة والعمل على الرغم من أنه حتى الآن لا يمكن التوصل إلى موازنة كاملة. مع هذا، فإن الوظائف التي تسمح بهذه الترتيبات مخصصة للفئات القوية من السكان من ناحية اقتصادية واجتماعية ومهنية، وهذا في الواقع تعبير آخر لعدم المساواة."

أما عميحي-همبورغر فيضرب بعرض الحائط الفائدة التي تنبع من ساعات العمل المرنة وعلى الأخص لأنها تفتح باباً لمتطلبات أخرى. وقال عميحي-همبورغر  إن هناك "جزء كبير مما يسمى "ترتيبات العمل المرنة" تمس بالعامل أكثر مما تفيده. لم يعد من النادر أن يطلب أصحاب العمل من العمال التواجد في المساء والعمل في الليل أو في نهاية الأسبوع، الأمر الذي كان يعتبر في الماضي طلباً شاذاً من العمال وأصبح اليوم أمراً معتاداً."

تقول البروفيسور حايا شتايير من فرع تعليم العمل في جامعة تل أبيب إن الدراسات تشير إلى أن الأشخاص الذين زادت ساعات العمل لديهم ينجحون في استثمار ذلك مع أولادهم في وقت مشابه لما كان في الماضي، "لكن هذا يأتي على حساب الحياة الاجتماعية ووقت الفراغ والوقت الشخصي. إنهم يتنازلون عن أوقات راحتهم وإمضاء ساعات مع العائلة والوقت المخصص لشركائهم في الحياة".

عميحاي-همبروغر كان أقل تفاؤلاً حول ذلك وقال "من أجل التغطية على عدم وجود الوقت الكافي للجلوس مع الأولاد أوجدنا مصطلح مثل وقت ذو جودة، وكأنه يمكننا أن نكون مع الأولاد لوقت أطول وكأنها جرعة مزدوجة من الفيتامينات التي تغطي عن النقص. كذلك التكنولوجيا تصنع وهماً مشابهاً. إنها تتيح للأهل أن يتحدثوا مع الأولاد حتى لو كانوا في العمل، وفي الدعايات التجارية يتحدثون أن الأمرين سيان. في نهاية المطاف، لن ننجح بأن نحقق النموذج الذي يتوقع أن نكونه على شاكلته والنموذج المعروف بالنسبة لنا في المجتمع والثقافة المحيطة بنا. يمكن أن يسبب هذا ظاهرة الإعياء والكآبة والضغط النفسي ومدى خطر هذه الظاهرة يتعلق بالضغط الذي يعيش الناس فيه".

لكن ربما قريبا سوف يطرأ انخفاض على مستوى الكآبة وسوف تقل ساعات العمل في إسرائيل إذا نجحت مبادرة سيلفان شلوم بتقليص أسبوع العمل، فالبشرى كالمعتاد تصل من الشباب - شباب جيل جيل الثلاثينات - الذين اندمجوا في سوق العمل، ويعملون بشكل مختلف كلياً عن الجيل السابق وعن جيل آبائهم وأمهاتهم. العمل ليس مركز الحياة بالنسبة لهم وهم يجدون الوقت الشاغر للتسلية والعائلة"، حسبما تقول البروفيسور مور. وأضافت البروفيسور مور أن "الأمر لا يتعلق بعدم رغبتهم في الحصول على المال، بل إنهم ببساطة ليسوا على استعاد لأن يصبحوا عبيدا لأجله. هم يقومون بأشياء كثيرة وهم مجتهدون جداً، لكن على العكس من الجيل السابق هم -ببساطة - ليسوا مدمنين على العمل".
 
مرور عقدين من الزمن وولادة جيل جديد

ازدادت منذ أوائل التسعينات شقة العائلة الإسرائيلية بمعدل غرفة كاملة: وفي الفترة ما بين 1992-1993 اكتفت العائلة الإسرائيلية بشقة مكونة من 3.2 غرف وكانت قيمتها بأسعار واقعية لتلك الفترة (686 ألف شيكل). في عام 2009 كبرت شقة العائلة لتصبح 4.15 غرف، لكن سعر الشقة زاد أكثر بكثير.

ووفقاً لمسح أجريناه في ألـ 17 سنة الأخيرة، تبين أن أسعار الشقق بالنسبة للعائلات في إسرائيل ارتفعت بنحو 55% ، وفي عام 2009 كانت شقة عائلة تساوي 1.061 مليون شيكل، وكان هذا قبل استمرار ارتفاع أسعار العقارات في السنة والنصف الماضية.

هذه المعطيات، التي تعتمد على استطلاع سنوي يقيمه المكتب بين أصحاب المنازل تبين كيف أن الارتفاع في أسعار العقارات في العقدين المنصرمين قد أثر بقدر كبير على الطبقات الضعيفة في المجتمع، بينما ارتفع معدل سعر شقة يسكن فيها أبناء الطبقة العليا في المجتمع (العشر 10) حوالي 58% في هذه السنوات ليصل إلى نحو 1.7 مليون شيكل، وقد ارتفع سعر شقة معتدلة تسكنها عائلة من الطبقة الأكثر انخفاضا (1) 178% ليصل إلى نحو 867 ألف شيكل في عام 2009، على الرغم من أن أبناء الطبقة الدنيا يسكنون في شقق أصغر (بمعدل  3.6 غرف اليوم مقابل 4.5 غرف بالمعدل في العشر الأعلى).

هذا هو أحد الأسباب الذي أدى إلى ارتفاع نسبة السكان الذين يقطنون في شقق تعود ملكيتها إليهم وليس بالاستئجار أو بأشكال أخرى. لقد انخفضت هذه النسبة في هذه السنوات بنحو 3%. ومع هذا، التغير الأكثر أهمية يبرز في العشر الأدنى: في الماضي كان هناك 43% من العائلات في العشر الأدنى تسكن في شقق تعود ملكيتها إليهم واليوم فقط 35% منهم. بالمقابل، هناك جزء من العائلات من العشر الأعلى تسكن في شقق تعود ملكيتها إليهم وارتفعت أسعارها بنسبة 86.5% مقابل نحو 84% في سنوات التسعينات.

الأغنياء ازدادوا غنى والفقراء ازدادو فقراً

على الرغم من بعض الأزمات التي عصفت بإسرائيل في العقدين المنصرمين، مثل الانتفاضة الثانية وأزمة الهايتك وحرب لبنان والأزمة الاقتصادية الأخيرة، إلا أن الاقتصاد الإسرائيلي لم يتوقف عن النمو وانعكس ذلك على الكثير من الإسرائيليين إيجابياً من الناحية الاقتصادية. ولكن يتبين من فحص أجري مؤخرا من قبل TheMarker أن المقياس للفرد في إسرائيل- أحد المقاييس المعمول بها لقياس الغنى ومستوى الحياة بالنسبة لسكان الدولة- نما بوتيرة نمو أبطأ مما هو عليه الأمر في غالبية الدول الغربية.

إضافة لذلك، تشير دراسات ومعطيات أخرى إلى ازدياد حصة الفئات العليا (الأعشار العليا) في المجتمع من الدخل بشكل عام في العقدين المنصرمين، بينما انخفضت حصة الفئة السفلى (العشر الأسفل)، وظهر حجم الفقر في إسرائيل وازداد وتفاقم. ووفقاً للفحص الحالي، حظيت العائلات من الفئة الأكثر ارتفاعاً من بين السكان (العشر الأعلى) بارتفاع بنسبة 50% من الدخل الصافي إلى نحو 27400 شكل في الشهر (دخل غير صاف بمعدل 38114 شيكل) منذ العام 1993. وفي العشر الثامن والخامس والثالث كان الارتفاع بالدخل أقل حدة وتراوح ما بين 20%-30% إلى 6600 شيكل حتى 14600 شيكل.

على الرغم من النمو والتحسن فإن الأرقام عاجزة عن التعبير عن وضع نظام الصحة المتردي، وكذلك التربية والرفاهية في إسرائيل. الدخل الصافي للعائلات من العشر الموجود في قاع السلم كان الأكثر تدهورا منذ العام 1993 بنسبة 4% إلى نحو 3300 شيكل (دخل غير صاف)، وهناك نسبة 20.5% من العائلات والسكان في إسرائيل عاشوا ما دون خط الفقر وبدخل أقل من 2270 شيكل في الشهر للفرد أو 3630 للزوج. كما يتبين أنه مع مرور السنوات أصبحت العائلات الفقيرة أكثر فقراً.

يتبين من معطيات مكتب الإحصاء بأنه على الرغم من ارتفاع ملكية المنتجات في مجموع السكان، في الفئة التي تحتل قاع التدريج انخفضت ملكية أجهزة التلفاز بنحو 4.5% في العشرين سنة إلى 73% مقابل نحو 97% من أبناء الفئة الأعلى الذين يملكون تلفاز واحد على الأقل. ووفقاً لذلك، يمتلك نحو 50% من أبناء الطبقة العليا حاسوبين أو أكثر، لكن أكثر من ربع العائلات في الفئة المنخفضة لا يوجد لديهم حاسوب و 64% منهم لا يوجد لديهم نفاذ لشبكة الانترنيت، كذلك، هناك نسبة 55% لا يوجد لديهم مكيف هوائي، بينما نجد هناك أكثر من نصف العائلات من الفئة العليا تملك سيارة على الأقل، أما 75% من أبناء الفئة الدنيا فلا يملكون حتى ولو سيارة واحدة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Popular Posts