maheronline

ماهر انلاين: موقع سياسي اجتماعي بختص في الأخبار السياسية والأحداث على الساحة العربية الإسرائيلية ونزاعاتها مع الدول الغربية وإيران وإسرائيل

الشريط الإخباري لموقع الجزيرة نت

الثلاثاء، 1 مايو 2012

فنون الـ "بودو" من أجل السلام (من ترجمتي)


فنون الـ "بودو" من أجل السلام (من ترجمتي)

كثيراً ما كان ينتابني شعور بأن شيئاً ما يحدث دوماً بشكل مقلوب ما بين الإسرائيليين والعرب بشكل عام، ولا شك بأن شيئاً ما قد فوَّت وما يزال يفوِّت حتى اليوم فرصة تحقيق السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
لقد باتت كلمة سلام كلمة سئمها الجميع، فالحديث عنها دون توقف، لكن الجهود التي تبذل من أجل تحقيقها لا تكاد تذكر.
لقد تعب الناس من تخيلات السلام، لكن الحد الأدنى الذي يمكن القيام به يتم على وجه التحديد من قبل الناس البسطاء، فما هي إلا خطوات صغيرة من أجل هدف صغير له معنى كبير اسمه السلام.
كنت على يقين دوماً بأن السلام يأتي من القاعدة، ومن التجربة الشخصية لكل منا في العلاقات والتعامل ما بين العرب واليهود، أو الإسرائيليين والفلسطينيين. التعايش لمواجهة الحياة المشتركة بشكل يومي هو فقط الذي يسمح ببناء جسور القيم والتفاهم ما بين الشعوب.
هذه المرة أود أن أقدم لكم قصة تكتسب تسارعاً متزايداً في كل يوم ما بين الشباب والكبار في إسرائيل، وفي العالم العربي وفي العالم أجمع. إنها قصة الـ "بودو من أجل السلام". لقد صادفت هذا الأمر لأول مرة من خلال الفيسبوك عندما أرسلت صديقة لي رابطاً لقصة مثيرة للاهتمام عن إسرائيلي يشجع الشباب والشابات في إسرائيل أو خارجها على تعلم فنون القتال كطريقة للمواجهة وكجسر لبناء السلام.

للوهلة الأولى بدا هذا غريباً جداً. ما علاقة فنون القتال بالسلام؟ لا بد من وجود خطأ ما... قررت دخول موقع "بودو من أجل السلام" لأطلع بنفسي على ما يدور من حديث هناك ... لا شك أنكم تعرفون بأن صورة واحدة تساوي ألف كلمة... رأيت في الموقع صورة فتاة عربية ترتدي الحجاب واسمهما أحلام تقوم بربط حزام كراتيه برتقالي لطفل يضع قبعة على رأسه من مطل نتوفا، وهي بلدة يهودية متدينة (حريديم) تقع في شمال البلاد.
كان لزاماً علي أن ألتقي بصاحب هذه الفكرة وصاحب المبادرة، السيد داني حكيم.
لمن لا يعرف من هو داني حكيم مؤسس "بودو من أجل السلام"، وهي منظمة دولية تهدف لاستغلال قيم فنون القتال من أجل الدفع قدماً بالحوار ما بين الأولاد العرب واليهود، ذهبت لألتقي مع داني وإليكم المقابلة التي أجريتها معه

داني، ما هو البودو؟
في الواقع، بودو هي كلمة تربط مفهومين باللغة اليابانية. الكلمة "بو" وتعني نظرية فنون القتال القديمة و "دو" وتعني الطريقة. كلمة "بودو" هي الفن والطريقة التي تستخدم لمنع النزاعات عن طريق قيم فنون القتال القديمة مثل: الانسجام والاحترام المتبادل والسيطرة على النفس وتطوير الذات. يميل الناس للاعتقاد بأننا نتحدث عن تقنية أخرى للعنف وأنا أقول بأن العكس هو الصحيح، إذ إن هذا الفن يهدف إلى منع النزاعات والصراعات. عليك أن تأتي من مكان قوة سواء من ناحية النفس أو الجسد. عليك أن تعرف كيف تحافظ على ما هو لك ومن حقك من دون أن تستهزئ بمن يقف أمامك،  وبالمناسبة، الشخص الذي يقف أمامك ليس خصمك بل شريكك في النزاع.
كيف توصلت إلى "بودو"؟
والدي ووالدتي بالأصل من مواليد الإسكندرية في مصر، وقد تزوجا في القاهرة حيث عملا وسكنا هناك واختلطا بالسكان المحليين، وما زلت أذكر أمي وهي تطبخ الملوخية - أحد المأكولات المصرية المفضلة لديّ.
بعد حرب الاستنزاف بين إسرائيل ومصر في عام 1969، قررت العائلة مباشرة أن تنتقل إلى أستراليا لأن والدتي لم ترغب لي أن أعيش في مكان تملؤه الحروب، عندما انتقلنا للعيش في أستراليا تذكرت الأيام الجيدة التي عشتها في القاهرة.
ولدت في استراليا لعائلة يهودية مهاجرة من مصر. في سن مبكر نسبياً، ومباشرة بعد البارميتسفا (عندما كان عمري 13 سنة) اشترت لي جدتي رحمها الله بدلة تدريب للكراتيه كهدية. هكذا بدأت طريقي، وقعت في حب تقنيات فنون القتال في سن مبكرة وقررت أن أستمر إلى "البودو".

بعد فترة سافرت إلى اليابان لأكمل تعلم الطريقة هناك. وبعد أن قضيت عدة سنوات في اليابان، عدت إلى أستراليا ودربت منتخباً أستراليا حتى أننا مثلنا أستراليا في العديد من المسابقات الدولية.
ومع ذلك كنت أشعر بان هناك شيء ما ينقصني... أردت أن أحول حياتي وحبي لهوايتي إلى شيء أكبر. وفيما بعد، وصلت إلى البلاد وهنا رأيت حلمي ينمو ويتحول إلى حقيقة. حيث من المعروف أن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني قائم منذ زمن بعيد، وقد اضطررت بأن أواجه جزءاً منه عندما كنت صغيراً في أستراليا البعيدة. عرفت أيضاً أن الحياة اليومية هنا في إسرائيل تفسح المجال أمام عقد لقاءات عشوائية ما بين العرب واليهود وما بين الفلسطينيين والإسرائيليين... وهذا ما دفعني إلى تحريك المشروع الذي يشمل اليوم 20 "دوجوز" (نوادي متخصصة في فنون القتال) في كل البلاد، في الشمال والجنوب والوسط، وفي بلدات عربية ويهودية يقيم فيها متدينون وعلمانيون على حد سواء..  

كيف يعمل هذا؟
الأمر بسيط. نبحث عن بلدات عربية ويهودية بالتوازن - 50-50. هذه هي المعادلة، حيث نمارس  50% من نشاطنا في بلدات عربية والـ 50% الأخرى في بلدات يهودية. ثم نبحث عن مرشدين ومرشدات عرب ويهود ونتشاور جميعاً ونقترح النشاط والفعاليات على آلاف الأطفال في سن 9 - 12 سنة مرة في الأسبوع، فيحضر الأطفال للتدريب. يشمل التدريب قسم جسدي وذهني أيضاً. من المهم بالنسبة لنا أن ندفع بالحد الأقصى مسألة قيم "البودو" والاحترام المتبادل والاعتماد على النفس وتطوير الذات. ونقوم في كل مرة بعقد لقاءات مشتركة ونقوم بدعوة عدد من النوادي للتدرب بشكل مشترك. وهنا يتم بناء الروابط والعلاقات والتجارب الخاصة بالفعاليات المشتركة.

الآن، وبشكل جدي، أولاد عرب ويهود في تدريب مشترك! كيف يحدث هذا من دون خوف؟ ألا تتحدثون عن السياسة؟ نحن لا نعيش بمعزل عن الحياة اليومية وأنت تعرف أفضل مني بأن السياسة لا تترك أي شيء دون أن تدخل فيه.

أود أن ألفت الانتباه إلى أننا لا نتطرق إلى شؤون السلام، بل نترك هذا لرجال السياسية. نحن نتخصص في العمل. هذا أمر أسهل على الأطفال. هناك خوف وجهل، ونحن نرى ذلك في عيون الأطفال. لكن، في اللحظة التي نتدرب فيها مع بعضنا البعض، نحن نخلق لغة مشتركة ثالثة وهي لغة الـ "بودو"، والكل يعرف هذه اللغة وهذا يسمح لنا بان نجسر الهوة.
أنت على حق، فالسياسية في كل مكان. نحن لا نتجاهل ذلك، لكننا نحاول أن نبني الجسور ونجد فرصاً للحوار. سوف أعطيك مثالاً بسيطاً: نحن نقوم بتفعيل نشاطات في بلدتين في الشمال وهما البلدة اليهودية متسبي نتوفا والثانية هي البعينة- النجيدات وهي بلدة عربية. قبل عامين فكرنا بالقيام بنشاط مشترك ما بين البلدتين، وهو نشاط في الخارج يشمل المشي في شمال البلاد والتدرب بشكل مشترك في الطبيعة. شعر الأطفال من خلال هذا النشاط بالبهجة والسرور بحضور الأهل والمدربين في الرحلة. وقبل الحدث بيومين وقعت أحداث أسطول مرمرة (أسطول الحرية)، وانشغل العالم بأكمله بالأمر وكان هناك قتلى ومصابين وكانت الحياة على المستوى السياسي في البلاد صاخبة للغاية. لم نعرف ماذا نفعل وفكرنا بأن نؤجل النشاط. ولكن الأمر الذي فاجأني هو أن أهالي الأطفال من بلدة متسبي نتوفا والبعينة - النجيدات اتصلوا بنا وطلبوا بأن نقيم الفعالية المشتركة. وبالفعل هذا ما فعلناه. أقول لك أكثر من هذا. لدينا اليوم نشاط "بودو" في الأردن وفي تركيا على الرغم من التوتر بين إسرائيل وهذه الدول في الآونة الأخيرة. كما قلت لك كله يأتي من القاعدة، أي من الناس في الشارع ومن الأطفال ومن الحياة اليومية.

سوف أطرح عليك سؤالاً أخيراً: ما هي نظرتك نحو المستقبل؟ أين سترى هذه الفعاليات التي تقوم بها بعد خمس سنوات؟
في هذه الأيام نحن نبحث عن شركاء ونحقق نجاحاً بتجنيد النشطاء في إسرائيل والأردن وفلسطين وتركيا. أعتقد أنه بعد خمس سنوات سوف يكون لدينا حوالي 1000 نادي "بودو" في مناطق الصراع وسوف نصل إلى هناك.
بعد اللقاء مع داني ومعرفتي بفنون "بودو للسلام" ازداد إيماني بأن الطريق لا يزال طويلاً. نحن نحصل على السلام من مكان القوة والتسامح والاحترام المتبادل. يمكن أن يصمد السلام بشكل حقيقي فقط إن كان يعكس رغبة الشعوب بالأخوة، وكل شيء يأتي من القاعدة...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Popular Posts