maheronline

ماهر انلاين: موقع سياسي اجتماعي بختص في الأخبار السياسية والأحداث على الساحة العربية الإسرائيلية ونزاعاتها مع الدول الغربية وإيران وإسرائيل

الشريط الإخباري لموقع الجزيرة نت

الأحد، 20 مايو 2012

ايهود باراك لا يفهم لماذا تكرهونه - مقابلة مع شخصية محيرة


ايهود باراك لا يفهم لماذا تكرهونه
مقابلة مع شخصية محيرة


عندما يقوم ايهود باراك بتحليل الواقع، فإنه يقوم بذلك بشكل مختلف عن كل شخص آخر، وقد تبين مؤخراً أن هذه هي مشكلته الرئيسية

انتهى باراك مؤخراً من قراءة ترجمة جديدة لكتاب "فاوست" من تأليف ليوهن وولفغنغ غيتا. هناك أشخاص من بين الذين يوجهون النقد إلى وزير الدفاع ورئيس الحكومة سابقاً لاحظوا وجود خطوط موازية بين الدكتور فاوست وبين باراك: فاوست، حسب الرواية سلم نفسه إلى راقصة مدمرة مع الشيطان كي يحظى بالشباب الأزلي، وباراك، على مسافة مئات الكيلومترات ومئات السنوات عن أوروبا المكفهرة، ترك حزبه وتنازل عما تبقى من شعبيته بين الجماهير كي يحتفل مع نتنياهو وليبرمان.

ولكن باراك يكتشف في الأسطورة الشعبية الألمانية الأكثر شهرة على مر الأجيال انعكاساً آخر لشخصيته، حيث يقدم تفسيراً شخصياً خاصاً يتعلق بموجات العداء والكراهية التي تعصف به من كل جانب، خاصة في العامين المنصرمين. يقول باراك مقتبساً: "قام "غيتا" بوضع الأقوال التالية في فم فاوست. كل الأشخاص يعايشون الحياة، وجزء منهم فقط يدركونها بأكملها ومن بين هذا الجزء قلة قليلة من الذين يصرون بغباء على أن يظهروا ما شاهدوه للآخرين. هؤلاء هم الذين يصلبون ويحرقون".

إيهود باراك، لماذا يكرهك الناس إلى هذا الحد؟

باراك، مرتدياً الزي الأسود ويبدو فيه بأنه أنحف ... يتريث برهة قبل أن يجيب على السؤال. يرتشف رشفة من كوب الشاي الموضوع على الطاولة الخشبية في مكتب وزارة الدفاع، ويبلع قطعة الليمون الطافية بداخل الكأس دفعة واحدة مع القشرة. يجيب على السؤال وقطعة الليمون تتهاوى إلى معدته: "أنا لا أعرف إن كانت هذه حقيقة مؤكدة لهذه الدرجة."

هذه حقيقة مؤكدة، الكراهية نحوك وخيبة الأمل منك هي قاسم مشترك لجمهور كبير.

باراك: أنا في سن تسمح لي بأن أتذكر ماذا حدث لشارون بعد لبنان. كيف كان الناس يلاحقونه حاملين لافتات كتب عليها "قاتل"، وكيف رجموا شمعون بيرس بالبندورة والبيض وماذا حدث من بعد ذلك؟ أنا لست في السياسة كي أجني محبة. أنا لست بحاجة لهذه المحبة أو الحصول على تصفيق حار.

ألا تسأل نفسك أحياناً، "كيف حدث هذا معي؟" كيف تحولت لأصبح أكثر الشخصيات السياسية الغير محبوبة في إسرائيل؟

باراك: لقد كسبت- وهناك من يقول بصدق- عدداً لا يستهان به من الخصوم: كسبت لاعبين سابقين في ملعب السياسة الإسرائيلية، منهم من كانوا نجوماً محبوبين من قبل قسم كبير من الجمهور في ذروة سيرتهم السياسية، وهم اليوم خارج السياسة، وحسب رأيهم، عندما يجلسون وحدهم في الغرفة، يقولون لأنفسهم إن باراك هو من أخرجهم من ملعب السياسة. هناك الكثيرين منهم، من أمثال إيهود أولمرت وأريئيه درعي ودانيئيل فريدمان وحاييم رامون الذي أدين بمخالفة جنسية، والذي حاول بعد الإفراج عنه أن يصل – على الرغم من إدانته - إلى منصب رفيع المستوى في الحكومة، وأنا كبحت ذلك بالقوة السياسية التي كنت أتمتع بها. ومنذ ذلك الوقت، أصبح من الصعب الحصول على كلمات إطراء منه. وحتى قبل ذلك كان هذا صعباً أيضاً.

إذن هل أحيكت مؤامرة ضدك، أو - ربما يكون الجواب أبسط من ذلك، وهو أنك ارتكبت عدداً من الأخطاء التي جلبت عليك هذه الأمواج الجماهيرية العاتية؟

باراك: لا أعلم. لا أظن أنها مؤامرة، ولكن، في اعتقادي عندما تنثر شخصيات عديدة من الذين لا يتوقفون عن العيش والعمل، أمثال شمعون شيفس وطال زيلبرشتاين وايلداد ينيف وفليس سراً أنهم لا ينتقلون من مقهى إلى مقهى أو من حانة إلى حانة إلا ويتحدثون بالمديح عن باراك- نتحدث هنا عن تأثير بطيء ولكنه متواصل. وبشكل عام هناك نوع معين من الحوار لا يروق لي على الدوام بين الجماهير بجديته وعمقه.

أجد لزاماً عليّ أن أقول لك إنني دخلت السياسة قبل 15 سنة. من هي الشخصيات اللامعة التي كانت في تلك الفترة؟ من كانت تلك الشخصيات الواعدة؟ "رامون" و "بورغ" و "بيلين" و "عمير بيرتس" ... إلخ. كانوا ثمانية من الشخصيات المشهورة. واليوم لم يبق منهم أي شخص. أما أنا فما زلت هنا. "أولمرت" و "أمنون شاحك"، و "اسحاق مردخاي" و "روني ميلو" وحتى "بايغه" من ناحية و "جومس" من الناحية الأخرى ليسوا موجودين، ليسوا في السياسية، و"يوسي سريد" أيضا غير موجود. أما أنا فما زلت هنا.

عندما سُئل الكوميديان "جورج برنس" الذي كان من المعمرين عندما بلغ من العمر 97 "هل صحيح أنك تشرب خمس كؤوس ويسكي في اليوم؟ قال: نعم. ثم سألوه: "هل تدخن 10 سجائر؟ قال: طبعاً. سؤال آخر: "هل تركض خلف النساء اللواتي في سن الخمسين من العمر؟ قال: نعم. ثم سئل: "وماذا يقول الأطباء عن ذلك؟ هذا السؤال لم يجب عليه. أنا لا أعرف، كلهم ماتوا. أنا ست رجل سياسة فاشل جداً لدرجة أن كل خصومي من كلا الطرفين اختفوا.

البرج المنير

موجز مختصر: في عام 1999، تم انتخاب باراك بأغلبية ساحقة لرئاسة الحكومة، وذلك بعد أن أصيب قسم كبير من الجمهور بالخوف والذعر من الفترة الأولى لنتنياهو في رئاسة الحكومة. وقد ذكر باراك أكثر من مرة خلال لقاءنا معه العبارة التالية: "لقد فزت بأكبر أغلبية في التاريخ".

بعد أقل من عامين، وبعد أن وعد ببزوغ فجر جديد، هُزم باراك من قبل من سبقه في وظيفة الشخصية  الجماهيرية الأكثر إثارة للجدل، آريئيل شارون، بعد فترة مليئة بالنشاط انتهت بالانسحاب من لبنان والانفصال عن قطاع غزة وتدمير عملية السلام.

في عام 2007، بعد أن تطلق من زوجته الأولى، نافا، تزوج باراك من محبوبته في أيام الشباب، نيلي فريئيل، وأصبح غنياً وسكن في أبراج أكيروف. عاد باراك إلى منصبه وزيراً للدفاع محمولاً على أمواج الدعم الجماهيري العالية التي تكونت ثانية نتيجة للذعر العام. هذه المرة كان هؤلاء هم "عمير بيرتس" والمنظار المغلق و "أولمرت" والخطابات بأسلوب تشرتشل في حرب لبنان الثانية التي امتصت أمواج العداوة. على مدار عامين كان أكثر الوزراء شعبية في حكومة أولمرت. قلة هم الذين أرادوا رؤيته عائداً إلى منصب رئيس الحكومة، وفي الانتخابات الأخيرة حصل على عدد قليل من المقاعد لصالح حزبه، لكن الشعور الذي كان يحيط به هو أن هناك من يمكن الاعتماد عليه، على الأقل في مجال الأمن.

ولكن منذ أن انضم إلى حكومة نتنياهو تمكن باراك من المرور بدورة أخرى: الخصام البارز مع رئيس أركان جيش الدفاع، "غابي أشكنازي" ومسيرة تعيين "يؤاف غالانت" التي أثارت التساؤلات، إلى جانب الفشل في تعيينه في نهاية المطاف، والانسحاب المفاجئ من حزب العمل بخطة ارتسمت على أنها قد نفذت بشكل خاطف، انطلاقا من مصلحة شخصية، وما نظر إليه من قبل الجمهور وقدم من قبل وسائل الإعلام على أنه لمصلحة شخصية بحتة - كل هذا تحول إلى خيبة أمل من قبل مؤيديه، وما رافق انسحابه من رئاسة الحكومة قبل نحو عقد من الزمن من غضب اختلط أحيانا بكراهية غير دبلوماسية البتة، حتى في بيئتنا المحلية الإسرائيلية السياسية التي تصدح بالانفعالات.

كيف تحاسب نفسك؟ ما هي الأخطاء التي اقترفتها؟

باراك: اليسار غاضب جداً من أمرين: الأمر الأول هو أنني لم أنجح في تحقيق السلام في عام 2000. أنا أقول إن هناك شيء غير ناضج في هذا الغضب، إذ هل يعقل أن تتحقق التسوية بمجرد تقديم البقلاوة بالشكل الصحيح أو مداعبة عرفات أكثر؟ الأمر الثاني، وهو الأمر الأكثر جدية والذي يتمثل في المقولة التالية: "ما كان علي أن افقد الحكم. استغرقنا الأمر نحو نصف جيل لنعود إلى الحكم من بعد عام 92، عندما فاز رابين. وصلت من جديد إلى الحكم. ما كان علي أن أترك مثل هذا الأمر يخرج عن سيطرتنا بمثل هذه السرعة.، كيف؟ لا يهم كيف. كان عليك أن تنجح في التمسك بالحكم وهذا هو. نحن بحاجة "للحكم" لم أنجح في أن أقنع حقا ذلك اليسار أن يقوموا بالأمور الصحيحة كي أبقى في الحكم. وهنا من الواضح أنني ارتكبت خطأ فادحاً قبل عشر سنوات عندما لم أتوجه إلى حكومة وحدة وطنية مع أرئيل شارون بعد أن عدت من كامب دافيد.

هل هذه هي أخطاؤك؟ يبدو أنك تصنع لنفسك قصة لا تتوافق مع الواقع. يبدو أن قلة شعبيتك لا تنبع بالضرورة من الأسباب التي ذكرتها. لقد ازداد الغضب وخيبة الأمل منذ أن عدت إلى الحلبة السياسية. ينظر إليك منذ ذلك الوقت على أنك قد خدعت الناخب عندما قلت "سوف أترك حكومة أولمرت" – وبقيت، ثم قلت: "سوف أتوجه إلى المعارضة"- وهرولت إلى الحكومة، ثم قلت: "لن أترك حزب العمل"- وتركته.

باراك: أعلم أنني شخص موضع ثقة بشكل مطلق. أرسل لي باحث شاب دراسة عن شمعون بيرس مع مقالات كتبت قبل 30 سنة. يصف هذا الشاب في دراسته انتقال بيرس من مكان إلى آخر. أنظر، يوجد أناس يقولون اليوم شيء معين ويقلبونه في الغد. إنهم عادة يتحدثون عن أمور تافهة وأمور متضاربة، ولن يدفعوا الثمن. أما أنا فإن التوقعات من حولي مرتفعة للغاية، وقد أنشأت ثقافة من بين سائر الأمور، إنهم لاحظوا أنني دقيق جداً. النظرة إلي هي بعدسة مكبرة. ليس هناك سياسي آخر في البلاد ينظر إليه بعدسة مكبرة إلى هذه الدرجة.

لا حاجة لعدسة مكبرة لرؤية الشقة الفاخرة التي اشتراها باراك في أبراج أكيروف.

باراك: أنا اشتريت الشقة ودفعت ثمنها عندما كنت مواطناً. ولنفترض أنه تبين في نهاية المطاف أن هذا كان استثماراً جيداً، يمكنني أن أبيعها الآن بسعر أعلى، ما المشكلة في ذلك؟

والديك سكنا في 30 متر؟

باراك: وماذا في ذلك؟

لماذا أنت وزوجتك بحاجة لمئات الأمتار المربعة في برج فخم؟

باراك: ما هذا الشيء: لماذا أنا بحاجة؟

كنت قائد حزب اشتراكي في دولة لا يحصل قسم كبير من مواطنيها على الحد الأدنى من الأجور. هل أخطأت عندما قمت بشراء شقة كهذه؟

باراك: لم يكن هذا خطأ. اشتريتها بنية بريئة وبشكل مستقيم عندما كنت مواطناً. من الواضح بالنظر إلى الخلف أن الشقة تزعج الكثيرين من الناحية الرمزية. بالمناسبة ليس للجميع. أقول لك إنني أتجول في الريف الإسرائيلي، ويقولون لي: "ما فعلته كان عين الصواب". يا للمفارقة في المجتمع الذي يتصرف على نفس المنوال، أو أنهم كانوا يريدون أن يكونوا مكاني. إذن يوجد شعور غير مريح على نحو أكبر. أنا أيضا أفهم ذلك. صحيح انه في اللحظة التي أنا فيها قائد حزب اشتراكي، يفضل أن أبيع الشقة وأن أشتري بيت على الأرض في رمات هشارون أو في "تسهلا". فليكن، وماذا في ذلك؟ إذن في نفس اللحظة هناك من يأتي لشراء الشقة؟ إذن أنا أقول لك إن هذه الشقة للبيع وهذا قبل زمن طويل من "إرغامي" على ذلك.

هل قررت أن تبيع الشقة بسبب الانتقاد؟

باراك: لا. سوف أشتري شقة أخرى في برج آخر أيضا. لكن هذا سوف يستغرق خمس سنوات على الأقل، وسأكون بسن 74 على الأرجح عندما أسكن هناك. ألا يحق لي أن أسكن في برج وأنا في سن الشيخوخة؟

قيل قبل عامين إنك سوف تبيع الشقة. لماذا لم تقم ببيعها؟

باراك: ما هذا الكلام ... لماذا لم تبعها؟ سوف أبيعها عندما يكون هناك مشتر مستعد لدفع السعر المناسب. هل أنت مستعد لدفع السعر؟

أخشى أنني لا أملك ما يكفي من المال.

باراك: إذن لا. أنا ألاحظ هذا التوجه. ينظرون إلى سفري إلى باريس (إلى الصالون الجوي، حيث أقمت في جناح بلغت تكلفته على الدولة 2500 يورو لليلة). من يرغب يمكنه أن يفحص أين كان يقيم وزراء الدفاع السابقين، إسحاق مردخاي وعمير بيرتس ورابين وبيرس؟ لقد كانوا يقيمون في هذه الفنادق بالضبط. هل تعتقد أن وزراء الدفاع يبحثون في اختيار المكان؟

ما هذا المليونير؟
دخلت السياسة قبل 15 سنة: قدمت من الكيوبتس، من بيت في كوخاف يائير بقمصان بسيطة، والنوم في فندق "أستور" البسيط في شارع اليركون. عدت في الدورة الثانية مع شقة فخمة، وساعة براقة، وسيجار وأجنحة في الفنادق. من أين كل هذا؟

باراك: أقول لك إنني كنت أدخن السيجار أيضا قبل عشر سنوات، وبالنسبة للساعة الأولى من نوع "فتك فيليب"، اشترتها لي زوجتي السابقة كهدية عندما أنهيت خدمتي العسكرية. ما هذا؟ أنا لست أكثر ثراء من بيبي نتنياهو أو ارئيل شارون. لا أشعر أنني أكثر بذخاً من ايهود اولمرت، أو من اسحق رابين أو من شمعون بيرس.

أنت لا تدرك التطلع إلى تواضع قادة الماضي؟ بيغين وشامير؟

باراك: وبين غوريون. إذن أنا لا أريد أن أمس بأحد، بن غوريون كان من أكبر اليهود في العصر الحديث، لكن، كان لديه مشاكله مع تصرفات أكثر تعقيدا مما لي. قبل عدة سنوات من توجهه إلى الكوخ، كان يملك هذا المبنى على دونم وطابقين وملجأ عندما كان والداي يسكنان في غرفة مساحتها ثلاثة في أربع أمتار من دون حنفية ماء ومن دون تواليت، ومن دون أي شيء. إذن لا أريد من أحد أن يعلمني ماذا يعني العيش في ظروف صعبة. أنا رأيت هذه الظروف الصعبة عن قرب.

إذن اليوم هذا نوع من التعويض؟

باراك: لا أعلم، لن أقوم بشرح ذلك. لا حاجة لي لأن أشرح، ولا أشعر بأنني ملزم بأن أشرح.

هل أنت مليونير؟
باراك: ما هذا مليونير؟ بالشواقل لا شك. بالدولارات أيضا. ما هذا مليونير؟ أنا لست من كبار رؤوس الأموال، ولست معدوماً. لكن هل ما أملكه يساوي بضعة ملايين من الدولارات؟ طبعاً. أمتلك هذه الشقة وحدها. وأنا لا أخجل بذلك. على مدار خمس أو ست سنوات حين لم أكن شخصية عامة. إذن هناك من يقولون بأننا لا نقبل بذلك. المواطن الذي لا يعيش مثل "لوبا الياف" غير مقبول علينا، ولا يمكنه أن يكون قائداً. لنضع الأمور على أرض الواقع. أنا أقول لك، أنظر إلى رؤساء إسرائيل في الجيل المنصرم واذكر لي اسم شخصية لم تعش في بذخ ولم تسافر في طائرات خاصة، ولم تشرب الكونياك من النوعية الجيدة. لن تجد. لا يوجد ... لا يوجد.

لكن من أين لك هذه الثروة؟ محاضرات، وعضو مجلس إدارة في شركات كبيرة، وفتح الأبواب لرجال الأعمال لدى الحكومات في العالم؟

باراك: عن أي أبواب تتحدث؟ أنا أنهيت فترتي تقريباً في الوقت التي أنهى فيها بيل كلينتون (رئيس الولايات المتحدة سابقاً) فترة رئاسته، وفي الفترة التي خرج فيها توني بلير (رئيس حكومة بريطانيا سابقاً) من رئاسة الحكومة في بلاده، وغرهارد شريدر (مستشار ألمانيا سابقاً). جميعهم من أحزاب اليسار، جميعهم أصبحوا خلال سنوات معدودة أشخاص أغنياء، وذلك بعد مدة أقصر بكثير مما خدمت أنا فيها الجمهور. لقد قمت بتقديم محاضرات، لكني عملت أيضا كمستشار في شركة دولية في مجال الأموال، وفي صناديق استثمار خاصة وصناديق استثمار أموال في شركات مخاطرة هي الأكبر في العالم، وتذكر في تلك الفترة من عام 2000، مع كل التعقيدات، كانت حرب العراق آنذاك على خلفية أحداث 11 سبتمبر. العالم تغير، وقد شعر رؤساء تلك الشركات بأنهم لا يدركون بشكل كاف ما الذي يجري على الأرض من تغيرات في العالم. لذلك لا تأبه مثل هذه الجهات، التي تدير نحو عشرة مليارات دولار، على سبيل المثال، بإنفاق ما يقارب 200 مليون دولار في السنة على الاستشارة، وعلى الدراسة والبحث، وينقصهم شخص يفهم في مثل هذه الأمور. الآن، أنا افهم النظم الاقتصادية، وتعلمت بالفعل في أفضل جامعة في العالم. كل ما قمت به كان باستقامة. وببساطة، كل ذلك على الطاولة بدون خدع وبدون حيل. لذلك أنا لا أخجل من شيء، ولن يعلمني أحد، ولن يسدي إلي بالنصح أحد، ولا حتى كل مصححي القانون".

مجرد وهم

قام شمعون بيرس بحياكة المناورات السياسية بشكل أكثر دهاءً وذكاءً مما فعل باراك. ودائماً، حتى في أسوء الفترات، نجح في أن يحافظ على جيش من المؤيدين وحرقة. آريئيل شارون سكن في مزرعة امتدت على عشرات الدونمات بمساعدة أصحاب الملايين من أمريكا وأثار قدر أقل مما أثارته صفقة الشقة التي اشتراها باراك في أكيروف. اولمرت ونتنياهو، اللذان كانا موضع شك في أمور جدية أكثر من تشغيل عاملة فلبينية غير مسجلة، يثيران درجة أقل من الانفعال والضجة ويبدو أنهما ما زالا قادرين على تجنيد فرقة مشجعات ملاصقة عندما يكونان في ورطة. بينما إيهود باراك، على الرغم من الأمور الصحيحة التي يسير فيها حتى اللحظة، يُوضع في غرفة طفولته الضيقة في الكيبوتس.

إذن ما الذي يثير كل هذا الامتعاض من قبل العديد من الأشخاص تجاه ايهود باراك؟ هل هي التوقعات  والآمال التي خابت؟ أو ربما هي قصته - كما نرويها، وبالطبع من قبل مواطني إسرائيل المتهكمين- حيث تظهر قصة أكثر دراماتيكية من القصة الخاصة التي يرويها هو؟

هل أنت استغلالي؟

لا، أنا لا أشعر بأنني استغلالي في أي مجال أبدا.

لماذا تركت حزب العمل؟

باراك: تركت حزب العمل لأنه تحول إلى أسلوب حياة لا احترام فيها للصداقة وأصبح معدوم الأهداف. يمكن القول إن الوضع هناك بمثابة خصام عضال. هذا لم يبدأ في عهدي، هذا مجرد وهم. أنظر، أنا تركت. ماذا حصل؟ هل يوجد انسجام كبير هناك حتى الآن؟ انتظر نهاية الانتخابات لمنصب رئيس الحزب. تطورت هناك ثقافة سياسية فيها يجنون متعة أكبر في المخاصمة من المشي في الشارع وإقناع الناس بان يدعموننا. وهذه الثقافة مرتبطة بالعنصر التخريبي الموجود في الانتخابات التمهيدية.

ما هو الفاسد فيها؟ هذه طريقة شقت لك ولنتنياهو الطريق إلى منصب رئاسة الحكومة.

باراك: أنا لا أعتقد أن الانتخابات التمهيدية هي طريقة فاسدة ومفسدة. أنا لا أفهم كيف توصل هذا المجلس الذي يترأسه القاضي شمغار إلى الديموقراطية، وإلى الاستنتاج بأنه ربما توجد حاجة لتقوية الأحزاب التي تقوم بالانتخابات التمهيدية. يجب العودة إلى أيام اللجنة التنظيمية. طريقة الانتخابات التمهيدية فشلت وأعلنت إفلاسها. أنظر إلى "راحيل أدتو"، التي حصلت في الكرمل على 100% في القرى الدرزية. وماذا؟ لو سألتهم: من هذه؟ هم لا يعرفون. هناك من هم مجبرون وتوجد الصناديق، وحتى هناك تقنيات أخرى في قسم من القطاعات التي تعتبر غير لائقة.

المواطن الذي صوت في الانتخابات الأخيرة لحزب العمل، ألا يجب أن يشعر بأنه خُدع بعد أن تركت الحزب؟

باراك: لا، بالطبع ليس عندما أقوم أنا بفعل ذلك. عندما ترك عمير بيرتس في حينه الحزب، كان بوسع الناخب أن يشعر بأنه خُدع. عندما ترك بيرس الحزب كان يمكن أن يشعر بأنه خُدع. لا يمكنه أن يشعر بأنه مخدوع معي. أعتقد أنني بقيت مخلصاً لدرب الحزب، وليس للأصدقاء الذين بقوا هناك. أنا لا أرى هنا أي مشكلة أخلاقية. لم أترك وحدي.

قلت إن حزب العمل انزلق إلى أماكن ما بعد الحداثة وما بعد الصهيونية. من هو بالضبط ما بعد الصهيونية؟ فؤاد؟

باراك: يجرهم اليسار بأسلوبه الصريح والعميق إلى زاوية يقبلون فيها العدل حسب الرواية العربية وليس من خلال التوازن المستقيم، وقد انجر حزب العمل بالتدريج إلى هناك. كلما كان الشخص يسارياً أكثر، وأقرب لميرتس  تزيد احتمالات نجاحه بين الأصدقاء في حزب العمل، الذي يضم 20000 عربي، وفقط 5000 منهم يصوتون في الانتخابات معنا. هذا جزء من النكتة. والأمر الثاني أن هناك من أعضاء الكيبوتسات من يأتون بجماهيرهم، ومركز الثقل بالنسبة لآرائهم أقرب إلى حركة ميرتس.

المسطرة الموجودة في الداخل

ما هي الخطايا التي ارتكبتها؟

باراك: لم أرتكب خطايا. عدد من الشخصيات السياسية تعتقد أن أفضل طريقة عندما تحاربهم في مجال معين، هي محاولة تلطيخك بنفس الشيء. هناك صحيفة معينة ("يديعوت أحرونوت") تتوق إلى إدخالي في قائمة الأشخاص الذين تحوم الشبهات من حولهم في الجنايات. لا يوجد أي صحة في هذا. لا يوجد في السياسة الإسرائيلية شخصية فعالة عملت وخاطرت كما فعلت أنا من أجل ضمان سلطة القانون والقضاء في إسرائيل، ودفع الثمن في إقصاء درعي ورامون واولمرت. أنا وشلومو بن عامي قمنا بتعيين القائد (سابقاً) موشي مزراحي لمنصب رئيس قسم التحقيقات. أنا قلت في عام 2000 إن ليبرمان التقى مع قادة فلسطينيين وقال لهم: "لا تعلنوا التسوية مع باراك، انتظرونا. معنا يمكن القيام بالتسوية". قلت: "المصححون سوف يقولون تسويات ثنائية المعنى. لقد انتقدت عائلة شارون ودفعت مقابل هذا ثمناً باهظاً. بماذا تقارن ذلك؟ هناك أشخاص يطبعون على لوحة المفاتيح ويكتبون ويتخاصمون مع أصدقاء في حانة الموضة الخاصة بوسائل الإعلام، لكن عدا عن ذلك لا يفعلون أي شيء! لا يأخذون على عاتقهم أية مخاطرة! كل محاربي جمعيات نزاهة الحكم على أنواعها، وممثلي الجمهور أو الصحفيين لم يخاطروا بأنفسهم ولم يدفعوا الثمن. أنا فعلت وأنجزت أكثر مما فعله أمثال "العاد شراغا" و "موشي هنغبي"، ولم أطلب أبدا أي اعتماد على ذلك.


تكملة المقال: غير محبوب بشكل خاص


عندما يقوم ايهود باراك بتحليل الواقع، فإنه يقوم بذلك بشكل مختلف عن كل شخص آخر، وقد تبين مؤخراً أن هذه هي مشكلته الرئيسية

أليست مسألة الفلبينية التي كانت تعمل في بيتك خطيئة؟

باراك: كان هذا خطأً، وهذا ما قالته زوجتي أيضاً، إنها تتحمل مسؤولية ذلك. وهي مستعدة لدفع الغرامة.

وقد تقرر بأن يتم تقديم دعوى بحقها.

باراك: في حقيقة الأمر، لو لم يكن اسمها فرئيل باراك، لكانت قد دفعت غرامة مضاعفة منذ وقت طويل، أنا أقول لك هناك 2000 حالة كهذه في السنة، 93 % منها تنتهي بدفع غرامات فورية. أما النسبة المتبقية وهي 7% فهم من تجار البشر الذين يمسكون بعمالهم في ظروف العبودية، ويربطونهم ويحبسوهم في داخل الحجرة الآمنة في المنزل ويمنعونهم من الخروج، أو أننا نتحدث عن أناس قد ضبطوا لديهم عمال أجانب للمرة الرابعة أو الخامسة.

العديد من الأشخاص الذين عملوا إلى جانبك، من الدائرة المقربة، خرجوا من هنا وتحدثوا بأمور سيئة عنك وعن كيفية إدارتك للعمال. "بايجه شوحط" هو من معجبيك السابقين يقول: "باراك غير ملائم لأن يكون وزير دفاع"، جومس يقول: "باراك هو الرجل الأخطر في الدولة".

باراك: حسناً، إذن يوجد حديث من هذا النوع وبرأيي هو عار عن الصحة كلياً. أنا سألت جومس: "ماذا رأيت مني ليجعلك تقول ما قلته؟ عندها قال إن "بايجه" وشخص آخر قالا له. دعك من هذا، جزء من هذا هو صدى لنقاشات وخلافات أخرى. إذن من المهم بالنسبة لـ "بايجه" - صاحب أعلى المناصب في إدارة شركات مختلفة منتشرة في أنحاء العالم - أن يقوم بتمرير ملاحظة إنذار، وجومس قبيل انسحابه من كل سيرته الحياتية العظيمة وجد من الصواب أن يحذر الشعب من وزير الدفاع الخطير. حسناً فليكن.

هل تدخل الأصوات المنادية ضدك عبر دائرة الحراسة؟ النوافذ المقوية؟ هل تسمعها؟

باراك: أسمع كل شيء.

وهل أنت غير مبال بالنسبة لها؟

باراك: لست غير مبال ولست منغلقاً. أنا إنسان ذو طمأنينة داخلية. أنا أمسك بالمسطرة من الداخل. أنا أحترم أيضا ضعف البشر.

إذن المنتقدين هم الضعفاء؟

باراك: نعم، أنا لا اشعر بأنني ضعيف. يوجد مطلب مسبق من رجل السياسة الإسرائيلي، وهو القدرة على أن يخرج الأمور إلى الخارج - أو كما أسميه أنا "إصدار أصوات زقزقة وكأنه ضحية وأن يصدر أصوات تشير إلى أنه قد أهين". أنا غير قادر على القيام بمثل هذه الأمور. أنا لا اركض، ولا أتذمر ولا أموء كالقطط، ولا أشتكي، ولن يحدث هذا، ربما في الدورة القادمة من حياتي".



لكن المعاملة تجاهك ليست نتاج عدم تظاهرك بالضعف. رابين لم يقدم نفسه كضحية ومع ذلك أحبوه.

باراك: لا أريد أن أجادل في ضعف الذاكرة العامة. رابين لم يكن كما يصفونه. لم يكن رجل سلام بحت وقد كان يمقت عرفات. لم يقولوا إن رابين كان سكيراً؟ لم يقولوا إنه كان يتمتع بالبذخ؟ لم يقولوا إنه كان غير مستقيم؟ كل شيء، كتبوا كل شيء. كتبوا وانقضى كل شيء وأصبح طاهراً نقياً، وقد حصل على بعد آخر من بعد النظر إلى الخلف على خلفية الظروف التي أدت إلى قتله.

ألست بحاجة لأن يحبوك؟

هناك رؤساء حكومة كانت لديهم حاجة لأن يحبونهم (شمعون بيرس، وهذا معروف). وهناك رؤساء حكومة كانوا يستخدمون أسلوب التهكم المطلق وكأنهم يفقهون في كل مجال، ويرون كل شيء يحدث، ويستعملون نقاط الضعف البشرية وفقا للفرص من أجل الاستمرار بالعمل والحصول على الأهداف التي يريدونها (أرئيل شارون، وهذا معروف). يوجد رؤساء حكومة يأتون من مكان أيدلوجي عميق، وفي نهاية المطاف يريدون أن يبقوا من أجل تطبيق الأيدلوجية الخاصة بهم (يتسحاك شمير، وهذا معروف للجميع) ويوجد رؤساء حكومة، وهنا من السهل علي أن أقول الأسماء- رابين كان على هذا النحو، وبرأيي أنا أيضاً- كانوا في الوظيفة من أجل تغير الواقع للأفضل، حتى لو كان هذا على عكس ما كان يجب عليهم أن يقولوه في الانتخابات، وحتى لو شكل هذا خطرا على استمرار فترتهم في الحكم. رابين كان الشخص الوحيد الذي دفع ثمناً اكبر مما دفعته أنا. وفي مسألة الحاجة لحب الجماهير، أنا أشبه شامير بعض الشيء".

كانون الأول أم كانون الثاني

وربما السبب الأعمق للتغير الحاصل في وضعه هو بالأصل التحالف مع من كان تحت قيادته في الفرقة الخاصة ذات السمعة الشهيرة، الكفيل السياسي الذي هزم شر هزيمة في عام 1999 قبل عامين؟ لقد تعرقلت اللقاءات بيننا أو أنها قطعت عدة مرات بسبب لقاءات أو مكالمات هاتفية من قبل رئيس الحكومة، نتنياهو. إنهما يتحدثان عدة مرات في اليوم. وفي كثير من الأحيان في نهاية الأسبوع، يجلسان سوية لعدة ساعات في بيت نتنياهو في كيساريا، أو في بيت رئيس الحكومة الرسمي. لا بد أنهما يتشاطران سيجار من نوعية فخمة. قبل عدة أسابيع، التقيا سوية برفقة نسائهن، سارة ونيلي، لوجبة عشاء مشتركة. "عندما ننظر أنا وبيبي إلى الأعلى نحن نرى السماء فقط"، ويقول هذه مسؤولية ثقيلة. عندما دخل حكومة نتنياهو قبل عامين تنبأ باراك بأن نتنياهو سوف يكون بيغين أكثر من كونه شامير. ومر عامين، ونتنياهو يذكرنا حالياً ببيغن الابن.

تركت حزب العمل من أجل البقاء في الحكومة، لكن تأثيرك محدود: لا توجد مبادرة سياسية مع الفلسطينيين، ولم يتم تجديد المفاوضات مع سوريا، ولا يوجد تجميد كامل للاستيطان.

باراك: لو أنني لم أنضم للحكومة، لكنت عالقا مع حزبي في مكان مع كاديما، التي لا أسمع منها أي شيء في مسألة التسوية. أنا عالق بينهما، وأكتب ملاحظات هامشية ومقالات مثقفة لصحيفة ما. أظن لو أنني لم أكن، لكانت حكومة يمين ضيقة. حكومة يمين ضيقة كانت سوف تصمد، لكن ما كان ليحدث الخطاب في بار إيلان من خلال حكومة يمين ضيقة، هذا مستحيل، وما كان ليحدث التجميد في الاستيطان لعشرة أشهر من قبل حكومة يمين ضيقة، ولا بأي حال، وحكومة لست أنا فيها ما كانت لتحافظ على ضبط النفس.

لكن في فترته الأولى في رئاسة الحكومة برئاسة حكومة يمين ضيقة، قام نتنياهو بخطوات أكثر باتجاه السلام مما قام به في هذين العامين: لقد أعاد الخليل ووقع اتفاقية واي-ريفر.

باراك: هذا صحيح. لقد قام بخطوة ومن ثم سقط، واليوم هو أكثر حذراً. ماذا رأي في واي-ريفر؟ عندما تقوم بخطوات جزئية يمكن تفسيرها من قبل المعارضة السياسية على أنها أقل مما يجب ومتأخرة أكثر من اللازم يوجد لهذا الأمر ثمن سياسي أيضاً.

بعد أسبوعين سوف يسافر نتنياهو إلى واشنطن من أجل الإدلاء في الكونغرس لأول مرة، وفي ظل الإعلان المتوقع عن الدولة الفلسطينية في أيلول في الأمم المتحدة على حدود 67، سوف يقدم برنامجه السياسي. لو أن الأمر متعلق بباراك، لكان سيعرض نتنياهو على أوباما "برنامج جريء"، كما يعرف الأمور، التي سوف تشمل المبادئ التي يؤمن بها من أجل إنهاء الصراع، تلك التي تتراوح في الحديث المعروف بين مبادرة كلينتون وجنيف والجامعة العربية. في الوقت الحالي يبدو أن نتنياهو يتردد. إنه يخشى من ردة الفعل السياسية من قبل ليبرمان. باراك يعتقد بان الإعلان عن إقامة  دولة في الأمم المتحدة من دون أن يسبق ذلك مبادرة إسرائيلية في المجال الدولي، سوف يجر إسرائيل إلى المكان الذي كانت فيه جنوب أفريقيا في سنوات حكم التمييز العنصري "الأبارتهيد". التحذير من قبله عنيف وحاد اللهجة: "توجد جهات قوية في العالم في داخل الدول، ويشمل ذلك وجود دول صديقة من منظمات مختلفة لعمال وأكاديميين ومستهلكين ومن أحزاب سياسية خضراء"، إنه يحذر، "وهذا الدفع، يختصر من قبل حركة كبيرة وقوية تسمى B.D.S (حظر وعقوبات اقتصادية) وهذا ما فعلوه بجنوب أفريقيا. لن يحدث هذا الأمر فوراً هنا. مباشرة بعد أيلول سيقول الناس ها قد أتى تشرين الأول، ولم تسقط السماء، لن يحدث أي شيء. هذا غير صحيح".

هل سيحدث هذا في كانون الأول أو كانون الثاني؟

باراك: سوف يبدأ هذا بالتحرك نحونا كأنه جبل جليدي. في المجلس الأوروبي توجد جهات تعمل في الاستيراد والتصدير، ويمكنها من دون أي قرار حكومي، أن تتسبب بأضرار جسيمة للاقتصاد الإسرائيلي. سوف نرى هذا في النواحي الأكاديمية أيضا، وسوف نراه في منظمات استهلاكية وسوف يصل في النهاية إلى الحكومات. هذا ليس بالأمر الحكيم. الاتجاه يبدو لي أخطر مما يظن الجمهور حالياً. نحن نسيطر منذ 43 سنة على شعب آخر، هذا أمر لم يكن له أسبقية. ربما يمكن للصين أن تسمح لنفسها بأن تسيطر على شعوب صغيرة في أطراف إمبراطوريتها، أو روسيا. نحن لا يمكننا القيام بذلك، لن يقبل العالم بذلك أبدا. اليمين العقيم يعرض إسرائيل لتصبح معزولة ووحيدة في العالم وهذا خطير. في الليكود هذه مجموعة لفين وحوطبلي والخ. لديهم ثقلهم، يوجد أعضاء في الحكومة يتمتعون بمواقف أصلية مثل: بوغي وبيني بيغين وليبرمان أحياناً.

على العكس من الخمس وعشرين سنة الماضية، حيث أن الاتجاه الذي ساد في العالم كان يقول بأنه سوف يتم التوصل إلى تسوية نهائية من خلال المفاوضات التي نشارك فيها. نتوقع بأن يتوقف هذا الاتجاه، وسوف يتبنى العالم توجهاً آخر وسيقرر من دوننا بشأن الدولة الفلسطينية في حدود 67. هذا تغير جوهري في وضعنا، ولذلك يجب علينا اتخاذ الحذر ويجب المبادرة باتخاذ خطوات سياسية بعيدة المدى، ويجب التوصل إلى تسوية نهائية كي نصد أمواج هذا التسونامي".

إذن ماذا يجب أن يفعل نتنياهو؟

باراك: يجب إغلاق الباب من خلفنا مع أوباما، ويجب أن نقول له: "نتحدث معك، هذه هي مواقفنا في القضايا الجوهرية، واحتمال التوصل إلى تسوية ليس كبيراً في ظل الظروف الدولية الموجودة حالياً. الخيار الآخر هو تسوية آنية مرحلية يعرف فيها الفلسطينيون كيف تبدو التسوية النهائية. يفترض أن يكون هذا اقتراحا جريئاً. لا يمكن الهروب إلى تسوية مرحلية مكونة فقط من خطوات مرحلية، لأن هذا لن يكون عندئذ مقبولاً للعالم".

لكن ماذا يجب أن يقول رئيس الحكومة لأوباما؟ ما هي الخطة التي ينبغي عليه أن يقدمها أمام رئيس الولايات المتحدة؟

باراك: على بيبي أن يقول لأوباما في كلا الحالتين: "أنا مستعد بان تقدم هذا كموقفك أنت، وأنا أقول لك بأنه يمكنك أن تقول لهم بأننا مستعدين للقبول بهذا على أنه وصف لانتهاء اللعبة أو آخر عرض. يجب أن يقول أوباما للفلسطينيين أربعة أو خمسة أمور هي: إنهم سوف يحصلون على مساحة تشبه ما كان لهم في عام 67، وإن هناك ترتيبات أمنية سوف توضع بحيث لا تشوش على سير حياة الدولة الفلسطينية، وإن مسألة اللاجئين سوف تحل في داخل المناطق الفلسطينية بشكل رئيسي، وإنهم سوف يحصلون على سيادة على الأحياء العربية في القدس وفي أماكن أخرى في المدينة سوف توضع ترتيبات خاصة. من الضروري التوصل إلى تسوية من خلال التنسيق دوليا وأمنياً مع الولايات المتحدة وليس ضدها، وحسب ما أعرفه هذا ممكن. في النهاية توجد حاجة للمال أيضا لتمويل نظام إسقاط الصواريخ الذي سوف يحمي الدولة بأسرها، كل الأمور مرتبطة ببعضها.

أنت تقول من البداية سوف يكون من الصعب النجاح في المفاوضات على تسوية ثابتة وربما أيضا بالنسبة لتسوية مرحلية. في حال لم يتحقق هذا، هل أنت مع الخيار أحادي الجانب؟

باراك: في حال فشل هذان الأمران، سوف تجرى انتخابات في البلاد، وسوف يحدث انقسام كبير، وأظن أنه في النهاية، سيكون الأسلوب الصحيح بالنسبة لنا هو القيام بخطوات أحادية الجانب، لأنه في نهاية المطاف، التهديد بالنسبة إلينا هو من طرفي المعادلة. بوسنيا وبلفاست من ناحية، وهما دولتين تنزفان الواحدة في داخل الأخرى منذ أجيال، أو جنوب أفريقيا القديمة، إذن يفضل على ذلك القيام بخطوات أحادية الجانب قد تشمل أيضا إخلاء سكان من أماكن سكنهم.

يعتقد شمعون بيرس أنه يمكن التوصل إلى حل المسألة مع الفلسطينيين مع الإبقاء على المستوطنات

باراك: لقد بدأ بالتفكير بأن قسماً من المستوطنات سوف يبقى، لماذا؟ هل لأن هذه مفكرة لامعة؟ لا، لأن هذا هو شمعون بيرس، هذا يبدو في نظره الآن ما سوف يساعده لكي يبقى مرفوعاً على أمواج المحبة. هذا ليس واقعياً.

عليك أن تعترف أن وضع إسرائيل من الناحية الدولية في عهد أولمرت كان أفضل بكثير

باراك: صحيح، اولمرت كان على استعداد لقطع شوط بعيد جداً من أجل كسر الجمود والتوصل إلى ترتيبات وتسوية نهائية.

لقد بادر إلى مفاوضات جدية مع أبو مازن. يقول إنه كان الأقرب من أي رئيس وزراء آخر في التوصل إلى السلام.

باراك: لم تكن هذه مفاوضات حقيقية. حاول أولمرت، في اللحظة الأخيرة قبل أن يتنحى عن منصبه، أن يجعل أبو مازن يوقع في غرفة مليئة بالدخان على خريطة معينة. هذه طريقة للقيام بالصفقات في مرج سارة في بئر السبع (وهو المكان الذي كانت سائدة فيه أعمال العربدة في السابق). هذه ليست طريقة للتفاوض بين دولتين.

سلام مع أوكرانيا

ايهود باراك، هل نتنياهو ناضج برأيك للإقدام على خطوة جريئة من أجل السلام؟ هل هو مستعد من ناحية نفسية؟
باراك: أنا متأكد أن هذا ما نحتاجه.

نحن في جمود على صعيد المفاوضات منذ نحو عامين. لو كنت أنت في مكان نتنياهو، هل كنت ستطرح مبادرة في وقت مبكر؟

باراك: لو كنت مكانه لفعلت ذلك منذ وقت طويل. لا يوجد لدي أي انفصام في الشخصية بالنسبة لهذا الأمر. حكومة برئاستي، أو برئاسة دان مريدور، أو برئاسة شمعون بيرس كانت ستفعل ذلك منذ وقت طويل، لكن لا يمكنني القول إنه لا توجد هنا مخاطر سياسية. يوجد أناس في مجال السياسة يقولون لرئيس الحكومة افعل العكس، وتوجه إلى أيلول وقاوم، ومن ثم توجه إلى انتخابات على الفور، لا تقترح أي شيء. ولكن في اللحظة التي يقرر فيها العالم وقوفه ضدنا على طريقة الحوار في الشارع الإسرائيلي، يمكنك أيضا أن تجد أن هناك لحظة، أو فترة معينة، قبل أن يتم فهم النتائج أو العواقب. يوجد نوع من التكتل الداخلي في إسرائيل. هناك أشخاص متهكمين يقولون: توجهوا بهذا إلى الانتخابات بدلاً من التوجه إلى الانتخابات مع اقتراح جريء للسلام.

هل عرفت إسرائيل بشان الاتفاقية التي كانت تحاك بين منظمة التحرير وحماس؟ ما معني هذا الأمر بنظرك؟

باراك: لم يتنبأ أحد بأنهم سوف يوقعون الآن. في نهاية المطاف، على الرغم من الاختلافات الجوهرية بينهم بالنسبة للتعامل مع إسرائيل، وحتى بشان طبيعة الدولة الفلسطينية المستقبلية، فإنهما ذراعين لنفس الحركة القومية. وفي لحظات الحقيقة بالنسبة لهم، فإنهما يتعرفان على ذلك بشكل تلقائي. العنصر الذكي في كل هذه الخطوة هو أنه قبيل أيلول، إحدى الإدعاءات القوية ضد أبو مازن كانت لماذا تأتي إلينا؟ باسم من تأتي مطالباً بالاعتراف؟

في حال أن أبو مازن يعتقد بأنه سوف يقوم بترويضهم، هم يقولون: في حال نجحنا بالمناورة بالشكل الصحيح، وتدبر الرؤساء أمورهم جيداً، عندها في الانتخابات سوف نغير موقفنا. لا يوجد خير وشر موضوعي هنا. بما أن دول العالم ستطالبهم ، السلطة وحماس معا، بإجراء الانتخابات والالتزام المسبق بمبدأ الرباعية: التخلي عن طريق الإرهاب، والاعتراف بدولة إسرائيل، وقبول كافة الاتفاقيات السابقة التي وقعت، وفي حال ترجم ذلك على أرض الواقع، عندها قد يكون هذا الأمر جيداً. حسب رأيي ما زال الوقت مبكراً للاستنتاج بما سوف يحصل.

إذن لا ينبغي أن نصاب بالذعر؟

باراك: بشكل عام لا ينبغي أن نصاب بالذعر من أي شيء.

لم يكن نتنياهو بحاجة ليوم الكارثة والبطولة من أجل ذكر هتلر. حيث تحدث في نهاية الأسبوع في إشارة منه إلى الاتفاقية بين منظمة التحرير وحماس: وأضاف نتنياهوا مشيراً إلى المسيح الدجال الإيراني: "حماس تريد أن تبيدنا. لقد طلت علينا مجموعة جديدة من الطغاة." في عدة مناسبات على مدار السنوات الماضية قارن نتنياهو بين سباق التسلح الإيراني وبين سباق التسلح في الرايخ الثالث في ألمانيا. "إيران هي ألمانيا، وأحمدي نجاد في سباق تسلح نووي"، هذا ما أعلنه نتنياهو وقارن بين وضعنا اليوم والوضع في عام 1938، حيث كان العالم يعيش في سبات عميق مقابل مظاهر العدوانية من قبل المستشار الألماني عديم الأخلاق هتلر. يقول باراك: "أنا لا أحب المقارنة مع عام 1938. لا أظن بأن الوضع سيان، لأن الاستنتاج لا يكون بهذه الصورة؟ ماذا كان على يهودي في أوروبا في عام 1938 أن يفعل؟ وفقا للاستنتاج في أيامنا هذه، كان عليه أن ينصرف من هناك. أنا اعتقد أن العكس هو الصحيح في حالتنا هذه. لا أريد أن أنصرف من أي مكان.

هل تعتقد أنه في حال امتلاكهم قنبلة نووية فلن يرموا بها؟

باراك: لا علينا ولا على أي جار آخر. لا أعتقد أنه يمكن لأحد أن يقول بشكل مسؤول إنه في حال حصول إيران على سلاح نووي، فإنه يمكن الاعتماد عليها والوثوق بعقلانيتها، وكأنها روسيا أو الولايات المتحدة. لا وجه للمقارنة. أنا لا أعتقد أن الإيرانيين سوف يفعلون شيئاً ما طالما أنهم بكامل وعيهم، لكن القول بأن هناك من يعرف حقاً ويفهم ما يحدث مع هذه القيادة التي تجلس في البونكر في طهران وتظن بأنها سوف تسقط بعد فترة وجيزة هل ستفعل ذلك حينها؟ لا أعرف ماذا سوف تفعل. أنا لا أفكر بمصطلحات الذعر. ماذا يحدث مع باكستان، ماذا لو أصابهم نوع من الذوبان السياسي هناك، ومن ثم تصل أربع قنابل إلى إيران. ماذا عندها؟ هل نتوجه إلى مطار اللد؟ هل نغلق الدولة لأنهم قصروا عليهم الطريق؟ لا. ما زلنا الأقوى في الشرق الأوسط".

يبدو أن إيران قد نجحت بالفرار من موجة الانقلابات التي تحدث في العالم العربي؟

باراك: على المدى القصير يحتفل الإيرانيين. ولكن على المدى البعيد هم يعرفون أن هذا قد يصلهم. لا أظن أن نظام آيات الله (رجال الدين) سوف يبقى في السنوات القريبة. أظن بأننا نرى نهاية الديكتاتوريات في العالم العربي، وهذا يشمل إيران. إنها بداية النهاية، وسوف يستغرق هذا عقدا آخر من الزمن هناك أو خمس سنوات، أو نصف سنة. لا يمكن لأحد أن يتنبأ. ربيع الشعوب العربية هو أمر مثير للانفعال وايجابي على المدى البعيد. لا أظن أن الاتفاقية مع مصر في خطر مباشر أو أنه ينبغي أن نتوقع تجربة أخرى على غرار حرب 73 معهم. هذا أمر بعيد جداً. أنا لا أعرف ماذا سوف يحدث في سوريا. أظن أن النظام السوري في خطر من فقدان الحكم، الأمر المؤكد هو أنه لن يكون هناك في العالم العربي أي قائد مثل "فاتسلاف هافل" البولندي. لن تكون أي ديموقراطية على غرار جفرسون الأمريكي.

لم لا؟ في الواقع، أنظر إلى ما حدث في أوروبا من بعد سنوات حكم ديكتاتوري فتاك أكثر بكثير.

باراك: الدول العربية بعيدة عن النضوج. ربما بالإمكان حدوث حكم عقلاني صبور. يحوي الإسلام عناصر كهذه. كذلك في القرآن. التقاليد العربية في الكثير من الدول ليست تقاليد فتاكة قاتلة، إنها تقاليد التوازن والثقافة ووضع حدود على السلطة على الرغم من أنها ليست مكتوبة على هيئة موازنات وكوابح. العرب على الدوام يعاملوننا بأكبر قدر من التشدد، وكانوا يقولون لي: قل لي أين قتلوا ثلث شعبكم؟ هل يوجد سلام بينكم وبين الأوكرانيين؟ هل يوجد بينكم وبين اللتوانيين سلام؟

ما العلاقة؟
باراك: لقد حدث هذا قبل عدة أسابيع في جلسة حزب الليكود في الكنيست، حيث توجه نتنياهو إلى أعضاء الكنيست من حزب الليكود قائلا لهم: "يوجد ضغط شعبي لإطلاق سراح غلعاد شليط حتى ولو مقابل 450 أسير. 100 منهم معرفين على أنهم خطرون بشكل كبير وأنا مُصرّ على أن يتم إطلاق سراحهم إلى خارج البلاد، لأننا نعرف انه يوجد سجناء يعرفون القيام بأمور تنظيمية وهم في السجن، فتصوروا ما الذي سيحصل لو تم إطلاق سراحهم". بهذا انضم إلى موقف وزراء آخرين في الحكومة يخشون دفع الثمن. أما موقف بارك فهو مختلف في هذه المسألة ومثير للاهتمام: "جزء من الأشخاص الذين يدّعون بتلهف ان من سيطلق سراحهم سوف يقتلون أشخاص كثيرين يصدقون هذا بالفعل. لا يمكنني أن أقول لك بكل ثقة أن لا أحد منهم سيقدم على القتل. أقول أنه في الواقع، حقيقة كوننا في فترة هادئة هي الأكثر هدوءاً على الرغم من أن من تم إطلاق سراحهم في الصفقات السابقة موجودين في الضفة الغربية. إنها دوماًُ مسألة سياق.

السياق هنا هو قرار أبو مازن بالقيام بتغيير اتجاه تاريخي. في عام 2005، بعد أن قام اريئيل شارون بالانفصال عن غزة تنبأ باراك أمام مراسل صحيفة "هآرتس" آريي شفيط بأن هناك كارثة على الأبواب: "من الواضح بالنسبة للفلسطينيين أن شارون لم يحصل على أي مقابل، إنما استسلم للإرهاب. لذلك سوف يعودون إلى الإرهاب. سوف تكون جولة أخرى. سوف نقبر المئات في انتفاضة ثالثة".

أبو مازن توجه باتجاه آخر كلياً مما توقعته أنت.

باراك: نعم. لقد اختار القوة الناعمة - هو وسلام فياض وقوى الأمن الخاصة بهم. إنهم يدركون ذلك. كان شارون يقول "ليكفوا عن قتل اليهود، كله على الطاولة"، وها هم توقفوا عن قتل اليهود تقريباً. قد يتوصل الفلسطينيون إلى تقنيات غاندي أيضا، ليس غاندي الخاص بنا، إنما غاندي القديم الأصلي من الهند. في نهاية المطاف ما يقولونه في الواقع هو، على المستوى الاستراتيجي، "تعالوا نخرج عنصر الإرهاب، وعندها سوف تبقى عورة الاحتلال الإسرائيلي لشعب آخر." هذه إستراتيجية صائبة.

إذا كان المهم هو السياق، لماذا لا نعيد غلعاد شليط ولو كان الثمن مئات الأسرى المحررين في الضفة؟

باراك: أظن أنه كان من الممكن إعادة جلعاد قبل ثلاث سنوات.

هل أخطأ اولمرت لأنه لم يبرم الصفقة مع حماس؟

باراك: دعك من هذا. اولمرت أخطأ حتى في خلق مخطط الصفقة. لقد تعقبت رؤساء الأمن من بعد الصفقات السابقة. لم نوافق أبدا على أن نعطي الطرف الثاني إمكانية تحديد الأسماء. نحن دوماً كنا نبني كل الصفقة، حتى لو كانت بالنسبة لنا صفقة من أجل التوصل لتسوية. هذه هي طبيعتنا الإنسانية، ولذلك نحن من نقوم بتحديد الأسماء. طبعا هم أيضا سوف يتقدمون بأسماء، لكن لم تفتتح المفاوضات بأسماء ولم نحدد الرقم مسبقاً. باللحظة التي قال فيها أولمرت 1000 شخص، 450 نختارهم نحن و 450 تختاروهم أنتم، بهذه اللحظة قام بوضع أنواع مختلفة من القيود.

ميكانيكيات الجزيئات-الكوانتوم

من مختلف التفسيرات الممكنة لوضع باراك الحالي المنعكس في استطلاعات الرأي، يشيرون من حوله إلى النزاع مع رئيس الأركان السابق غابي اشكنازي على أنه السبب الرئيسي لانحطاط شعبيته بين الناس. يقول باراك: "أنا أنتظر نتائج تحقيق مكتب مراقب الدولة في المسألة"، ويطلب أن يختصر بالنسبة لتطرقه إلى رئيس الأركان السابق. عشية يوم الاستقلال، أنتم تعلمون، ربما نجحنا ولو قليلاً، لكن على طريقته. لا يندم باراك على الطريقة التي قرر بها إنهاء فترة رئيس الأركان السابق، من خلال الظهور ببث مباشر في التلفاز حيث قال من دون أن يسهب بأن "هناك أمور أخلاقية ومهنية من الدرجة الأولى".

الأشخاص الذين يتحدثون مع وزير الدفاع يأخذون انطباعاً بأن باراك يعتقد أنه كان "سوف يخون وظيفته في حال تصرف بشكل مغاير". ولقد شرح للوزراء الذين التقوا به بلا تفصيل لماذا هو مقتنع بأن اشكنازي كان على علم بأن الوثيقة التي مررها إليه الضابط بوعز هربز - وفيها الخطة المكافلستيت-الأنانية للدفع قدما بتعيين غالانت ليصبح رئيس الأركان - كانت مجرد وثيقة مزورة. يقول باراك في حوار على انفراد مع أحدهم: "عندما تشتري ساعة من ساحة الدولة في تل أبيب فإنك على علم بأنك تشتري ساعة أصلية. وعندما تشتريها من دكان في المحطة المركزية التي تتخصص بالتزييف، فإنك تعلم بأن الساعة مزورة"..

في البيت، في الساعات المتأخرة من الليل، يقوم باراك بالغوص في جهاز الأيبود إلى أعماق itunes-u، وهو الموقع الذي يقدم للمستهلكين محاضرات من أفضل الجامعات في العالم. يقول باراك: "هذا مثير، ويشدني كالمغناطيس. يمكن  أن تدخل إلى دورات مع أبرز الباحثين، وهم أيضا أفضل المعلمين. أنا أصغي لمثل هذه الدورات حول ميكانيكية الجزيئات ودورات بيولوجية في ستانفورد وفي أوكسفورد"، ويقول إنه "وأنا أرى التلفاز أيضا، أنا أرى مسابقات الشخصيات الكوميدية، وأنت ترى الفرق. في موقع itunes-u لا يقوم المعلمين بالمراءاة وليسوا بحاجة لأن يعجب بهم أحد. إنهم يكتسبون قوتهم من مواجهتهم كباحثين من أسرار الطبيعية والرب. وأنت تنظر إلى التلفاز على المهرجين أو على برامج الواقع، بمقابل ذلك، المهرج والفنان والمنفذ وكل الأحداث الهدف منها جميعها الحصول على التصفيق. لو كنا في فنلندة، كان بوسعنا أن نسمح لأنفسنا بان تتم قيادتنا من قبل مهرجين أيضاً".

كل ما يدور في نفس باراك مستتر في هذا الحوار الذاتي، وكل نظراته تخلق نوع من التضارب الواضح ما بينه وبين البيئة الإسرائيلية التي تلهث خلف السخافات. يقول باراك عن ذلك: "أنا لا أبحث عن الفهم والتقدير. كما يجب على جراح الدماغ أن يفعل عند إجرائه لجراحة مخ لأحد مرضاه، أنت لا تسأل إذا كانوا يحبونه أم لا، أو يفهمونه أم لا، ما يهمك فقط فيما إذا كان يفهم في الأدمغة، وعندما يكون الرأس مفتوحاً فإنه على دراسة كافية بما يجب فعله. هذا هو المهم. وهنا يوجد شيء متناقض ما بين الحوار مع الجمهور، حيث يوجد بعد معين من السطحية، وبين ما هو مطلوب حقاً.

إذا أردتم، إليكم نظرة أخرى إلى ايهود باراك: حيث أنه يبدو على أنه قد استسلم إلى كونه مختلف بشكل واضح- وكلما طلب منه المحيط القريب أن يصحح أعماله أو أن يتظاهر بسلوك على شاكلة أخرى- فإنه يتقوقع أكثر وأكثر في مواقفه وفي التفسيرات الخاصة به لما يقوم به. في هذه النقطة يكمن الفرق بين صورته بين الناس وبين صورته هو في نظر نفسه. ايهود باراك لا يظن البتة وبكل صدق على أنه على خطأ: سواء عندما دخل حكومة نتنياهو، أو عندما اتهم اشكنازي، أو عندما ترك حزب العمل أو عندما انتقل للعيش في أبراج أكيروف. إنه يدرك أن صورته بين الناس في الحضيض، لكنه لا يظن أنه مسئول عن خلق مثل هذه الصورة، وإنما الحيثيات والخصوم الأقوياء هم الذين أوجدها، والحقيقة القاسية التي ما هو إلا رسول لها، والآن عودوا إلى بداية أقواله واقرءوا الاقتباس من كتاب فاوست وسوف تفهمون السياق بشكل أفضل. على هذا النحو يفكر باراك.

ولابد أنه يعتقد أنه يقوم بأدائه لوظيفته على أفضل نحو: "يمكنني القيام بذلك أفضل بقليل من كل الجلاميد الموجودين في اليسار ومن جزء كبير من المرشحين لهذه الوظيفة في اليمين"، هكذا يقول باراك بثقة عن أدائه كوزير للدفاع، في إشارة واضحة إلى أولئك الذين ينتظرون بفارغ الصبر الحلول مكانه في وزارة الدفاع في الكرياه في تل أبيب، وعلى رأسهم رئيس الأركان السابق، موشي بوغي يعلون.

ومع ذلك، يبقى السؤال المحير: ما سبب المشاعر السلبية القوية التي يثيرها باراك؟ يبدو أن جواب هذا السؤال هو أبسط مما يبدو: حجم التوقعات التي ألقيت على كتف هذا المحارب والدماغ المحلل خلقت منزلقاً حاداً للغاية عندما انتهت إلى خيبة الأمل التي انتهى بها. على العكس من الآمال الكبيرة التي علقت عليه عندما دخل إلى الحياة السياسية، يقف اليوم في مكان يتملكه الذوهل والدهشة. قوموا بتوسيع السياق بعض الشيء وسوف تكتشفون أن باراك مجسد بطريقة تراجيدية قصة أكبر بكثير. الحل وتحطمه: فقدان الحكم من قبل اليسار، تتناثر شظايا مسيرة السلام، وأعضاء الكيبوتسات يلهثون بحثا عن العجل الذهبي وحب المال وجنيه، والتغييرات الصعبة من الناحية الاجتماعية والسياسية التي طرأت في العقدين الأخيرين في دولة إسرائيل. كانت هناك توقعات عظيمة من باراك. يكفي أن نفكر لماذا تحول شارون في ولايته الثانية لأكثر شخص محبوب في الدولة كي نفهم بوضوح كيف وصل باراك إلى ما آل إليه اليوم. كلاهما قطع نفس الطريق ولكن بشكل معكوس.

شيء ضد الدود

ايهود باراك، الفرق بين الصورة التي يراها الجمهور وبين الصورة التي تراها أنت بنفسك كبيرة. أنت تعرف على نفسك على أنك جراح دماغ، بينما المواطنين في استطلاعات الرأي لا يمنحون حزبك ولو حتى مقعد واحد، أي لا يريدون في هذه المرحلة أن يكونوا مرضاك.

باراك: دعك من استطلاعات الرأي. قبل انتخابي بأسبوع لرئاسة الحكومة تلقيت فيضاً من استطلاعات الرأي بشأن هزيمة أكيدة. نجاحي في استيعاب الكثير شيء يثير عدم الراحة في أوساط الشخصيات في الشارع العام، وهذا حقا أمر يقيدنا، لأنه بمثابة عبء. صحيح بأنني لن آتي اليوم كما أتيت قبل 12 سنة، كشخص يحمل آمال ووعود كبيرة، إنما كشخص تعلمنا على الأقل أن لا نحكم على جزء من الأمور التي حدثت معه على أنها مثيرة لخيبة الأمل. وجزء من الأشخاص، اسألهم لماذا، فلا يعرفون ماذا يجيبون.

وأنا أقول لك، تغلبوا على عوائقكم، تغلبوا على الشعور بأن باراك يشرب كونياك فاخر الجودة ويدخن السيجار. تغلبوا على هذا لأن هذا ليس بالأمر الجوهري. حياتكم وحياة أولادكم لن يحدد مصيرها بسبب الكونياك الذي أشربه إنما بالسؤال هل سيكون على طاولة رئيس الحكومة أناس ذوي قوة كافية من الناحية السياسية من قبل الناخبين من أجل قيادة الدولة إلى مكان آخر.

التيار الإسرائيلي القوي الرئيس والثابت والمستقل والواثق بالنفس يجب أن يقف على رجليه وأن ينقل القوة السياسية ليس إلى الشخص اللطيف، ولا لمن يتلاعب بعواطف الجماهير، وإنما لمن يصنع المواقف والأمور الصحيحة والأمور التي تحتاج لها الدولة. الآن اسألني، من سيدفع الثمن في حال لم يتحقق هذا؟ كلنا.

أنت تؤول إلى استنتاجات خطيرة من الوضع، مما يعني بأننا قد نكون في زاوية مظلمة حيث كانت جنوب أفريقيا. لكنك تستمر بالجلوس في هذه الحكومة. وهكذا، قد تصبح شريكاً بنفس الكارثة التي تحذر منها.

باراك: أنا أعمل كل الوقت كي أغير الوضع وأنا لا أتحرر من المثالين الموجدان في رأسي. هذا مئير عميت وعمرام متسناع. مئير عميت، قبل أسبوعين من الإعلان من قبل بيغين بأنه سوف يتوجه إلى كامب دافيد قال: "لا يوجد ما يمكن القيام به هناك، هذه مجموعة من المتحدثين بالأمور التافهة" وقام وترك. متسناع لم ينضم لحكومة شارون لأن شارون قال: "نتسريم مثل تل أبيب". كلاهما لم يقرأ الوضع بالشكل الصحيح".

هل تنوي ترشيح نفسك في الانتخابات القادمة؟

باراك: نعم في إطار حزب الاستقلال.

هل ستنضم لليكود؟

باراك: لا، لماذا أنضم؟

ألم تتفق أنت ونتنياهو على ألا  تترشحا للانتخابات؟

باراك: هذا عار عن الصحة.

هل تٌقرأ التاريخ- ألا تخشى بأن كل ما سيبقى من الوعد والأمل الكبير من حياتك السياسية هو مجرد ملاحظة هامشية غير ناجحة؟

باراك: لا أخشى، هذا لا يشغلني البتة. هذا يذكرني بالنكتة عن الطبيب الذي كان في المقبرة، وفجأة سمع من أحد القبور صوت خافت يناديه: دكتور، هل لديك دواء ضد الدود؟








  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Popular Posts