maheronline

ماهر انلاين: موقع سياسي اجتماعي بختص في الأخبار السياسية والأحداث على الساحة العربية الإسرائيلية ونزاعاتها مع الدول الغربية وإيران وإسرائيل

الشريط الإخباري لموقع الجزيرة نت

الجمعة، 25 مايو 2012

أري شاﭭيط/ جنين جنين

أري شاﭭيط/ جنين جنين

بقلم: أري شاﭭيط

ليس من الصعب وصف ما كان سيحدث لو أن جوليانو مير كان قد قتل على أيدي اليهود. لو حدث ذلك فعلاً لحظيت حادثة القتل هذه بعنوانين صارخة في صحيفة "هآرتس"، وكانت ستكتب خمس مقالات غاضبة – إحداها بقلمي أنا. ولو حدث ذلك، لشجب الكتاب بشدة نزعة اليهود للقتل وكانوا سينادون للخروج إلى حرب ثقافية ضد التطرف اليهودي، ولطالب آخرون بعدم تكرار الخطأ الذي حصل من بعد مقتل غولدشتاين وبإخلاء المستوطنات بشكل فوري، ولطالب غيرهم بفحص ما يحدث في حلقات دراسة التوراة ونظام التربية الرسمي- الديني.

لو حدث ذلك، لتم التذكير باقتباسات عنصرية من قبل مراسلين بشأن شخصيات يهودية مظلمة، وكانت ستطرح مقارنات تاريخية مع مقتل أميل غرينتسفايغ ومقتل يتسحاق رابين ومقتل مارتين لوثر كينغ. خلال نهار واحد كان سوف يتحول مير ليصبح رمزاً. مع حلول مطلع يوم السبت كان سوف يتجمع الآلاف وبأيديهم مشاعل للبكاء على بطل السلام والاحتجاج ضد قوى الشر والسواد. مقتل مير على أيدي يهود كان سوف يقيم اليسار من جديد ويرسله إلى معركة جديدة ضد الفاشية اليهودية القاتلة.

لكن جوليانو مير لم يقتل على أيدي اليهود. لذلك لم يحظى مقتله بعنوانين بارزة، إنما بعنوان تحت الطية. لذلك لم يحظى في نفس اليوم بخمس مقالات غاضبة، إنما كتب عنه مقال حزين (جميل) واحد. لم يتحدث أحد عن العنصرية، وعن التطرف، وعن الفاشية. لم يتحدث أحد عن نظم التربية التي تنشر الشر وعن كهنة الدين المظلمين. ولم يتحول مير ليصبح رمزاً ولم يحظى بمظاهرة يشارك فيها آلاف.

لم ينتج عن مقتل مير أي احتجاج أو انتفاضة أو غضب مقدس. أعلن  اليسار الإسرائيلي بالضبط ما الذي يجب عمله عند القتل من قبل يهود.  لا أعرف ما الذي يجب فعله عند القتل من قبل فلسطينيين. مقتل بطل سلام بيد الفلسطينيين هو قتل لا مكان له على ساحة الأحاسيس والقيم في اليسار. مقتل بطل حرية بيد الفلسطينيين هو حدث يهز القالب ويهز الباراديغما بالنسبة لليسار. مقتل مير بيد فلسطينيين هو قتل محكوم عليه بالتهميش.

المسألة عميقة ومعقدة، ولا تخص اليسار الإسرائيلي فحسب. أحد المميزات البارزة للتنور الغربي في القرن الحادي والعشرين هو انعدام القدرة على شجب قوى الشر في العالم العربي- الإسلامي. حيث يعشق التنور الغربي أن ينتقد الغرب. يحب بالأخص انتقاد حلفاء الغرب في الشرق. لكن عندما يدور الحديث عن شر مصدره من الشرق، فيصيبها الصمم، ولا تعرف كيف تواجهه.

يسهل بالنسبة للتنور الغربي الخروج ضد حسني مبارك المساند للغرب، لكن من الصعب عليها أن تخرج ضد الأخوان المسلمين. من السهل عليها الخروج ضد بنيامين نتانياهو، لكن من الصعب عليها الخروج ضد بشار الأسد. إن هذه القوى ليست قادرة على مواجهة أحمدي نجاد الإيراني كما واجهت بوش الأمريكي أو بابوتا في جنوب أفريقيا أو ميلوشفيتس الصربي.

النتيجة هي أوصاف طويلة من المفارقات والتشويهات. دم قتلة مير أكثر لزوجة من دم الذين يشنقون ويقتلون في إيران. دم قتلى غزة أكثر لزوجة من دم قتلة درعا ودمشق. تتسبب عقدة ما بعد الاستعمار بجعل التنور الغربي يتجاهل بشكل منظم الشر الذي تفعله القوى المناوئة للغرب.

لا يعرف حتى الآن من قتل مير. هل كانت الخلفية مالية أم رومانسية أم دينية أم ثقافية؟ لكن المعروف أن مير لم يقتل لأنه كان محتلاً أو مستوطناً أو مهيناً. لقد قتل مير لأنه كان إنساناً حراً، وقام بنشر الحرية في مجتمع غير حر. يجب مواجهة هذه الحقيقة الصعبة، ويجب أن ننظر إليها بعين الاعتبار. لا يمكن للتنور الغربي واليسار الإسرائيلي أن يستمر في تجاهل الجانب المظلم من الواقع في الشرق الأوسط.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Popular Posts