انتخابات البرلمان الإيراني: تحدٍّ بارز لنظام الحكم على
الرغم من النتائج المعروفة مسبقاً
ما هي وظيفة البرلمان الإيراني وما هي صلاحيته؟ وما هي
أهمية البرلمان من أجل فهم الحلبة الداخلية في إيران؟ ولماذا، على الرغم من أن
النتائج معروفة مسبقاً، تولي السلطات في الدولة أهمية للانتخابات القريبة؟ قبيل انتخابات
البرلمان الإيراني، يحاول د. راز تشيمت، الخبير بالشؤون الإيرانية، أن يجيب على
هذه الأسئلة وغيرها.
د. راز تشيمت
في يوم الجمعة المقبل المصادف 2 آذار/ مارس 2012، من المقرر
أن يتوجه المواطنون الإيرانيون للإدلاء بأصواتهم للانتخابات البرلمانية (المجلس).
حيث سيكون بوسع أكثر من 48 مليون صاحب حق بالاقتراع أن يدلوا بأصواتهم لأكثر من
3200 مرشح في الانتخابات التي تقام مرة كل أربع سنوات بطريقة إقليمية مستقلة، وأن
ينتخبوا 290 عضواً في المجلس. هناك خمسة مقاعد محفوظة للأقليات الدينية المعترف
بها في إيران (3 نواب للأقلية المسيحية، وممثل واحد للأقلية الزوروستارية وممثل
واحد للأقلية اليهودية).
تم تشكيل المجلس لأول مرة في العام 1906 في أعقاب الثورة
الدستورية تعبيراً عن سلطة الشعب. وكان يطمح الحكم الجديد في أعقاب الثورة الإسلامية
عام 1979 للدمج ما بين السلطة والشعب، والتي تنعكس من خلال وجود مؤسسات منتخبة، والتي
تضم: الرئيس والمجلس ومجلس الشورى الإسلامي، الذي يعكس رغبة الله من خلال الفقهاء،
ورجال الدين الشيعة الإيرانيين، وعلى رأسهم رئيس المجلس الديني الأعلى. مع ذلك، يتمتع
مجلس الشورى الإسلامي بأفضلية واضحة،
ويمكن القول أن جل السلطات السياسية موجودة بيد القائد الأعلى الحاكم بأمر الله،
ولا يمكن الاعتراض على حكمه، ونظرا لذلك، لا يوجد تأثير كبير إذن للمجلس فيما يتعلق
بوضع الإستراتيجية الإيرانية، خاصة في مجالات السياسة الخارجية.
مظاهرات في طهران بعد الانتخابات عام 2009 (Flickr/Milad Avazbeigi )
على الرغم من ذلك، لا يمكن القول أن المجلس عديم
الأهمية. أولاً، هناك سلطات بيد المجلس منحه إياها الدستور، ومن ضمنها: المصادقة
على الوثائق والاتفاقيات دولية، والمصادقة على ميزانية الدولة، والقدرة على الإطاحة
بوزراء أو منع تعيين وزراء، كما حصل في مرات عدة في السنوات الأخيرة. في ظروف
معينة، يحق للمجلس أيضاً أن يوصي بأغلبية خاصة بتنحية الرئيس من منصبه، وقد حصل
ذلك مرة واحدة في شهر حزيران/ يونيو عام 1981، عندما أوصى المجلس بالإطاحة بالرئيس
أبو الحسن بني صدر.
ثانياً، يشكل المجلس حلبة مركزية للنزاعات السياسية التي
تدور منذ الثورة الإسلامية ما بين تيارات سياسية مختلفة، وعلى الرغم أن انتخابات المجلس
هي انتخابات مستقلة، فإن معظم المرشحين يحسبون على أحد التيارات المركزية في
السياسة الإيرانية. المحافظون (الذين ينتمون إلى القسم اليميني من النظام السياسي)
والذين حصلوا على أغلبية واضحة في المجلس حتى العام 2000، وحتى بعد فوز محمد خاتمي
الإصلاحي في الانتخابات الرئاسية عام 1997. في عام 2000 نجح الائتلاف من بين نحو 20
مجموعة وحزب إصلاحي بالفوز في الانتخابات، وقد زاد هذا الفوز من اتساع الفجوة ما
بين السلطة التنفيذية والتشريعية، التي تقع تحت سيطرة الإصلاحيين، وبين قيادة
الحكم المحافظة.
هذا وقد بدأ المحافظون بحملة تهدف إلى منع المجلس من
التحول إلى رأس حربة في تطبيق إصلاحات الرئيس خاتمي، وقام المحافظون بمحاولة لنزع فتيل
قوة الإصلاحيين باستعمال "مجلس صيانة الدستور"، وهو مجلس مكون من 12 عضواً،
نصفهم من رجال الدين المعينين من قبل الزعيم الروحي للثورة ونصفهم الآخر من رجال
القانون المعينين من قبل رئيس السلطة القضائية، والذي هو نفسه يعين من قبل الزعيم
الروحي للثورة. يمتلك المجلس صلاحية أن يقوم بإلغاء القوانين التي سنت من قبل
المجلس في حال أنها لا تتماشى مع الدستور الإيراني أو مع الشريعة الإسلامية، كما
أن المجلس بيده صلاحية إلغاء ترشيح أشخاص من الذين يترشحون في الانتخابات للمؤسسات
المنتخبة في الدولة.
قبل انتخابات المجلس في سنة 2004، أراد المحافظون ان
يقوموا بإلغاء فوز آخر للإصلاحيين. حيث تشبثوا بشعور خيبة الأمل الجماهيرية العام والمتزايد
بسبب فشل الإصلاحيين في تطبيق وعودهم بخصوص حل المشاكل الاقتصادية وتطبيق
الإصلاحات السياسية والثقافية، وعملوا بغية تبني صورة جديدة، تساعدهم في عرض
أنفسهم كبديل حقيقي مع التشديد على الحاجة لتطوير اقتصادي إلى جانب التمسك بقيم
الثورة الإسلامية. بموازاة ذلك، ضمن المحافظون فوزهم من خلال استعمال "مجلس صيانة
الدستور"، الذي قام بإلغاء ترشيح أكثر من 2500 مرشح، معظمهم من الإصلاحيين، ومن
ضمنهم أيضاً العشرات من أعضاء المجلس الحاليين. حظي المحافظون في هذه الانتخابات على
أكثر من 160 مقعداً مقابل نحو 40 للإصلاحيين. كذلك نجح المحافظون في الانتخابات
التي أجريت عام 2008، بالمحافظة على قوتهم السياسية، فقد حظي المرشحون المحسوبون على
التيار اليميني المحافظ بأغلبية ساحقة، واضطر الإصلاحيون إلى الاكتفاء ببضع عشرات
من المقاعد فقط.
على الرغم من فوزه في الانتخابات الرئاسية عام 1997، إلا
أن المجلس لم يتمتع بأغلبية ساحقة للاصلاحين حتى سنة 2000، الرئيس الإيراني
السابق، محمد خاتمي (المنتدى الاقتصادي العالمي)
من غير المتوقع أن تجلب انتخابات المجلس التاسع، التي من
المقرر أن تقام نهاية هذا الأسبوع، أو تحدث تغيراً ذا أهمية على الخارطة السياسية
في إيران، ومن المتوقع أن يحظى مرشحوا المعسكر المحافظ على أغلبية ساحقة. على
الرغم من ذلك، يوجد لهذه الانتخابات أهمية كبيرة فيما يتعلق بالثبات السياسي لنظام
الحكم. سوف تكون الانتخابات للمجلس أول انتخابات عامة منذ الأزمة الحادة التي
أصابت إيران عقب الانتخابات الرئاسية في صيف عام 2009، والاحتجاجات التي جرت في
أعقابها. شكلت هذه الاحتجاجات بالنسبة لنظام الحكم تهديداً من الداخل هو الأخطر
منذ الثورة وأدت إلى سحق همجي للمعارضة الإصلاحية، التي قادت هذه التظاهرات.
في ظل أجواء الكبت السياسي منذ الانتخابات الرئاسية، قررت
المنظمات الإصلاحية المركزية أن تقاطع انتخابات المجلس بذريعة أن السلطات لم تضمن
الشروط الملائمة لإجراء انتخابات نزيهة وعادلة، ومن ضمنها: إطلاق سراح زعيمي المعارضة
الإصلاحيين، مير حسين موسوي ومهدي خروبي، من الإقامة الجبرية في المنزل التي
يخضعان له منذ السنة الماضية، وإلغاء القيود المفروضة على مواقع الانترنت والصحف الإصلاحية.
أعلن بعض المتنافسين المحسوبين على أنهم "اصلاحيون معتدلون" أنهم ينوون
الترشح بشكل مستقل، وحتى أنه تم المصادقة على أغلبيتهم من قبل "مجلس صيانة الدستور"،
ولكن شخصيات رفيعة المستوى في التيار الإصلاحي قد أعلنت أن هؤلاء لا يمثلون
المعسكر الإصلاحي.
مطالبة بإطلاق سراحه من الإقامة الجبرية المنزلية
المفروضة عليه منذ نحو عام، لافتات تدعم مير حسين موسوي في الانتخابات في العام
2009 (Wikimedia/Mardetanha)
على خلفية مطالبة المعارضة بمقاطعة الانتخابات، ازداد
قلق النظام من تدني نسبة التصويت. حيث تراوحت نسبة التصويت في الانتخابات السابقة
للمجلس ما بين 51% في آخر معركتين انتخابيتين (2004 و 2008) و70% تقريباً في
الانتخابات التي أجريت في السنوات 1996 و 2000. نسبة التصويت التي بلغت أقل من 50%،
يمكن تفسيرها على أنها تعبير آخر لفقدان شرعية نظام الحكم. على ضوء ذلك، ليس من الغريب
أن نرى في الأسابيع الأخيرة الماضية الحشد في أوساط شخصيات إيرانية رفيعة المستوى
وعلى رأسها القائد الأعلى، علي خامينئي، في محاولة لرفع نسبة التصويت بأكبر قدر
ممكن. أعلن خامينئي في الشهر الماضي أن المشاركة الواسعة في الانتخابات سوف تعكس
شراكة المصير ما بين الشعب والقيادة في البلاد، وسوف يعتبر ذلك ضربة قاضية لأعداء
الجمهورية الإسلامية الذين يحالون حسب أقواله، منع مواطني الدولة من ممارسة حقهم
السياسي.
في ظل مقاطعة الانتخابات من قبل الإصلاحيين، فإن جل
النزاع السياسي في الانتخابات يدور بين عدد من قوائم المرشحين المحسوبة على اليمين
المحافظ، الذي فشل في جهوده بالتوصل إلى اتفاق حول قوائم مشتركة للمرشحين تمثل
المعسكر المحافظ في ألوية الانتخابات المختلفة.
يتوقع أن يتنافس مرشحو التيار المركزي في المعسكر
المحافظ ضمن إطار "جبهة الأصولغرايان (ترجمة حرفية-المخلصون للمبادىء)
المتحدة"، وهو ائتلاف ما بين عدد من المنظمات المحافظة التي تدعم من قبل رجلي
دين محافظين رفيعي المستوى هما: أية الله محمد رضا مهدوي كني، الذي يشغل منصب أمين
عام "مجلس الخبراء"، والمسئول عن تعين القائد الأعلى والرقابة بشكل رسمي
على أعماله، وأية الله محمد يزدي، سكرتير "جمعية المحاضرين في الكليات
الدينية في مدينة (قم)". هذا وأعلن مؤيدو الرئيس أحمدي نجاد أنهم سوف يدخلون
الانتخابات بشكل مستقل وليس في إطار "جبهة الأصولغرايان المتحدة".
بموازاة ذلك، أعلن عدد من النشطاء السياسيين المحسوبين على
الحزب اليميني المتطرف عن إقامة "جبهة المواجهة الصامدة" (جبها فيادري)،
حيث تتلقى هذه الجبهة الدعم من قبل رجل الدين المتشدد، أية الله محمد تقي مصباح يزدي،
الذي اعتبر في الماضي الوصي الديني للرئيس، لكنه تخلى عن هذا المنصب في العام
الماضي بسبب علاقات أحمدي نجاد مع نشطاء من التيار السياسي الذي يعرف من قبل
معارضيه على أنه "التيار المنحرف" بسبب وجهة نظره الأيدلوجية التي تهز
قيم المؤسسة الدينية المحافظة. في طهران، والتي تعتبر لواء الانتخابات المركزي الذي
يمثله في المجلس نحو 30 عضواً منتخباً من قبل الجمهور، يتوقع أن تتنافس على الأقل
أربع قوائم لمرشحين بشكل منفصل عن المحسوبين على المعسكر المحافظ على الرغم من أن
قسم من المرشحين مشمولين في أكثر من قائمة واحدة.
المشاركة الواسعة في الانتخابات سوف تعكس شراكة المصير
ما بين الشعب والقيادة في البلاد، القائد الأعلى في إيران، أية الله علي خامينئي (Sajed)
تحاول الشخصيات رفيعة المستوى في نظام الحكم تقديم
الانتخابات على أنها منافسة سياسية ما بين قوائم المحافظين، وعلى أنها تعبير
لانتخابات عادلة وتنافسية. ولكن، من الواضح مع ذلك، بأنه في غياب مرشحين محسوبين
على التيار اليساري الإصلاحي في السياسية الإيرانية، فإن الانتخابات تعكس بشكل
كبير زيادة استبدادية النظام. لقد أدى النزاع ما بين الإصلاحيين والسلطة الحاكمة،
الذي بلغ ذروته في الاضطرابات في 2009، إلى الدفع بهم خارج الإجماع السياسي
المسموح به من قبل نظام الحكم. إقصاء التيار الإصلاحي من اللعبة السياسية،
وبموازاة ذلك نزاعات متزايدة على السيطرة في داخل المعسكر المحافظ تقلص بشكل أكبر
من قاعدة قوى النخبة السياسية في إيران. لا يزال بوسع المؤسسة الدينية المحافظة أن
تحافظ على مكانتها بين النخبة السياسية على ضوء ضعف المعارضة، ومن خلال زيادة
الاعتماد على وسائل الكبت وعلى دعم قوى الحرس الجمهوري. ولكن، بالرغم من ذلك فإن
نسبة التصويت المنخفضة في الانتخابات، واستمرار الانشقاق بين القوى الداخلية والتدهور
الاقتصادي الأخير يمكن أن يؤدي على المدى المتوسط والطويل إلى تفاقم وتدهور أزمة
الاستقرار التي يواجهها نظام الحكم في إيران.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق