maheronline

ماهر انلاين: موقع سياسي اجتماعي بختص في الأخبار السياسية والأحداث على الساحة العربية الإسرائيلية ونزاعاتها مع الدول الغربية وإيران وإسرائيل

الشريط الإخباري لموقع الجزيرة نت

الاثنين، 30 أبريل 2012

عيد كبير لأقلية صغيرة: عيد الفصح في حيفا النصرانية

عيد كبير لأقلية صغيرة: عيد الفصح في حيفا النصرانية
يحتفل المسيحيون بموت وبعث السيد المسيح. وفي هذه المناسبة، قام يوسي يوفال بجولة خاصة في أهم أسبوع بالنسبة للطائفة المسيحية، ما بين الكنائس، والناس والذكريات في حيفا العربية-الأرثوذكسية.
يوسي يوفال
• عدد السكان: نحو 270 ألف، تبلغ نسبة العرب منهم حوالي 10 بالمائة، وغالبيتهم من المسيحيين.
• الكثافة السكانية: نحو 4200 فرد للكيلومتر المربع (مقابل حوالي 7600 في تل-أبيب).
• الحكم المحلي: بلدية.
• نسبة المستحقين لشهادة البجروت: حوالي 62% بالمئة (المعدل القطري نحو 45 بالمئة).
• معدل الأجر: حوالي 7550 شيكل (المعدل القطري: 7500 شيكل).
• معلومات عامة: الطائفة اليونانية هي أكبر فئة من بين أبناء الطائفة المسيحية في إسرائيل -الكاثوليكية. الكنيسة اليونانية-الكاثوليكية (التي تسمى أيضاً المليكية) تابعة للفاتيكان، ولكنها تحافظ على شعائر الشرق. وقد انشقت عن الكنيسة اليونانية الأرثوذكسية التي كانت ثاني أكبر كنيسة من ناحية الحجم.
قواعد اللعبة بسيطة جداً: أدخل إلى سيارتي في كل يوم جمعة في الساعة السادسة صباحاً وأشغل القرص، وأسلك مسار شارع أيالون، وأرمي بقطعة نقدية في كل مفترق رئيسي حتى أجد نفسي في بلدة عربية، أتجول قليلاً، وأبحث عن أول مقهى مفتوح في مثل هذا الوقت من النهار وأطلب قهوة أسبريسو، وأسأل صاحب المحل عن الأماكن التي يمكنني رؤيتها في البلدة. أي، لو كنت سائحاً، أين كانوا سيرسلونني.
واجهة الكنيسة. تم تصميم الحيز المركزي على شكل سمكة. تصوير: يوسي يوفال
مها بلان تنزل عن سطح كنيستها، تصوير: يوسي يوفال
وادي النسناس، تصوير: يوسي يوفال
يعتبر عيد الفصح، وهو أحياء لذكرى بعث السيد المسيح، أهم يوم في التقويم السنوي للكنائس الشرقية، وكذلك بالنسبة للكنائس الغربية، وقد مر تاريخ إحياء هذا العيد بعدة تقلبات. على مدار أكثر من 300 سنة كان يتم الاحتفال به في تاريخ 15 نيسان بموازاة عيد الفصح اليهودي، حيث أن عيد الفصح كان السبب في صعود السيد المسيح إلى القدس من أجله ووفاته فيها.
في القرن الرابع للميلاد، عندما تولدت رغبة لدى الديانية المسيحية بالانفصال عن العهد القديم بشكل نهائي، تم تحديد الخوارزمية المعقدة والتي وفقاُ لها يحل عيد الفصح المسيحي في اليوم الأول من الأسبوع بعد اكتمال القمر لأول مرة يوم 21 آذار/ مارس- اليوم الذي يتساوى فيه الليل والنهار. (نفعل ما بوسعنا للتهرب من العائلة). هكذا تحول عيد الفصح المسيحي إلى العيد الوحيد الذي ليس له موعد محدد وثابت في التقويم الشمسي، ولكن القصة لم تنتهي عند هذا الحد، حيث تبنت الكنيسة الغربية التقويم اليولياني لتحديد مواعيدها، وتصر الكنسية اليونانية على أن تتمسك بالتقويم الشبه-غريغورياني، ولذلك فإن عيد الفصح بالنسبة لها يدور حول تقويم العيد الكاثوليكي.
ليس من العجب إذن أن يصادف ويقام العيد في حيفا في يوم أحد الشعانين في العامين الماضيين، مما أثار الفوضى على ضوء التركيبة الطائفية في مراسيم افتتاح أسبوع الفصح وإحياء وصول السيد المسيح إلى القدس. المسيرة التقليدية التي يمشي فيها المسيحيون وبأيديهم سعف النخيل كانت قد بدأت في السنتين الماضيتين في الكنيسة اليونانية-الأرثوذكسية، واستمرت إلى الكنيسة الكاثوليكية حيث انضم إليها الكاثوليك، وجمعت المؤمنين اللاتينيين بالقرب من كنيستهم، وانتهت لدى المارونيين بالعودة إلى الكنيسة الأرثوذكسية.
المسيرة التقليدية التي يمشي فيها المسيحيون وبأيديهم سعف النخيل كانت قد بدأت في السنتين الماضيتين في الكنيسة اليونانية-الأرثوذكسية، واستمرت إلى الكنيسة الكاثوليكية حيث انضم إليها الكاثوليك، وجمعت المؤمنين اللاتينيين بالقرب من كنيستهم، وانتهت لدى المارونيين بالعودة إلى الكنيسة الأرثوذكسية.
"في المدرسة المهنية، عندما كنا نريد أن نذهب إلى السينما لرؤية فيلم كاوبوي أو غاري كوبر، كنا نقول للمدير اليهودي بأن عندنا عيد وكان يدعنا نذهب. بعد ذلك، اتصل بالكاهن فأرسل إليه الأخير رزنامة مع كل الأعياد والعطل الخاصة بنا، فانتهى الأمر."

عندما فازت مها بلان فرح، المصممة المعمارية بمسابقة تصميم الكنيسة الأرثوذكسية الجديدة ، تعجب البعض واعترضوا لأنها كانت في مقتبل العمر، وازداد الأمر تعقيداً كونها امرأة. لم يكن الأمر سهلاً، لكن اليوم لا يوجد أي مسيحي أرثوذكسي في حيفا لا يتعجب من النتيجة.

تقول مها بلان فرح، وهي المصممة المعمارية التي صممت الكنيسة الأرثوذكسية الجديدة: "لقد قرر الناس في حيفا أن يحتفلوا سوية". وتضيف قائلة: "قال البطريرك إنه لا يمكن تغير الموعد الرسمي، لكنه بارك على الأمر، والآن نحن نحيي العيد مرتين." ويضيف والد زوجها السيد زيدان بلان قائلاً: "إن الزواج ما بين الفئات النصرانية جعل الجميع طائفة واحدة كبيرة. نحن أقلية صغيرة في نهاية المطاف، إذن كيف سوف نحيي 2000 عيد؟"
الناس في حيفا يحتفلون سوية. برج الكنيسة الأرثوذكسية (تصوير: يوسي يوفال)
"هذا يذكرني بأسلوب غاودي"
التقيت بمها زوجها ضرغام ووالده زيدان، في يوم الأربعاء الذي سبق عيد الفصح وقاموا بإرشادي في حيفا الخاصة بهم، حيفا العربية الأرثوذكسية. في عام 2000 أدهشت مها منافسيها الثلاثة، حيث كانت في حينها مصممة معمارية شابة متخرجة من معهد التخنيون، عندما فازت بمسابقة لتصميم الكنيسة الأرثوذكسية الجديدة في حيفا. لقد استغرق العمل أكثر من عشر سنوات وكلف أكثر من 23 مليون شيكل، وهذا مبلغ طائل قامت الطائفة بتوفيره على مدى عشرات السنين في البناء المتكامل الذي يقف اليوم بالقرب من جدار الحدائق البهائية.
يقول ضرغام، وهو ابن المدينة والذي عمد في الكنيسة القديمة: "هذه كنيسة طائفة وليس البطريرك." تتطلب قواعد المسابقة كنيسة بالهام يوحنا المعمدان، وأن تكون بيزنطية أيضاً، ولكن من دون عمدان، وقد خصص للمتنافسين شهر وضعت مها في نهايته على طاولة الحكام النموذج الأكثر إبداعا الذي توصلت إليه.
تقول مها بلان فرح: "لقد استعملت أشكال هندسية ولم استنسخ من أي كنيسة موجودة في اليونان أو في روما. لا يوجد مبنى آخر كهذا في العالم."
عندما فازت مها بلان فرح بالمسابقة، تعجب البعض واعترضوا لأنها كانت في مقتبل العمر وازداد الأمر تعقيداً كونها امرأة. لم يكن الأمر سهلاً، ولكن، اليوم لا يوجد أي مسيحي أرثوذكسي في حيفا لا يتعجب من النتيجة. عندما رأيت الكنيسة لأول مرة ، ولأنني أجهل في التصميم المعماري قلت: "هذا يذكرني بأسلوب غاودي"، فصححتني مها بلان قائلة: "هذا أسلوب بلان." ترى مها في نفسها مصممة معمارية بالحد الأدنى المؤثر بالمنطقة، وتوضح موقفها قائلة: "لا أؤمن بالموضة التي تتبدل في التصميم المعماري." إنها عملية وحازمة، وتنتبه إلى أدق التفاصيل، وقد صممت بنفسها آخر الأقواس في النوافذ المشبكة في الكنيسة. إنها ايكولوجية، لكنها حريصة، وتحرص على أن تذكر بأن البناء يراعي أكثر معايير النظم من حيث الامتثال في إسرائيل. تقول مها بلان فرح: "هناك غرفة محمية في سكن الكهنة." إنها تحترم التقاليد، ولكنها علمانية، وعندما يذكر ضرغام أن هناك من يدعي أنه في ساعات معينة يمكن رؤية الملائكة في النوافذ فوق حوض التعميد، ترد هي بتهكم "حسنا، هيا بنا."
هذا أسلوب بلان، الكنيسة الأرثوذكسية الجديدة في حيفا.
في ساعات معينة  يمكن رؤية الملائكة من النوافذ فوق حوض التعميد
جديد مقابل قديم
لقي افتتاح الكنيسة نجاحاً باهراً. في أول قداس في الكنيسة لم يكن هناك مكان لغرس دبوس بين الحضور، ولكن مها ليست راضية كل الرضا. حيث أنه لم يتم تطبيق اقتراحها بوضع فسيفساء على شكل نهر الأردن ليجري من حوض التعميد إلى بركة في مقدمة المبنى، دلالة على عمل يوحنان، وفي المكان الذي كان يفترض أن تكون فيه بركة، يوجد اليوم حاوية سوداء كبيرة للقمامة. عندما يدور الحديث عن مبنى عمومي مثل كنيسة، يبدوا انه في اللحظة التي ينهي فيها المصمم المعماري حصته من التصميم، تنتهي سيطرته على المبنى، وبعد عدة نزاعات ينتهي الأمر بحل وسط ما بين رؤيا المصمم وحاجات المقاولين، والذوق الشخصي لدى صناع القرار في الطائفة وبالأخص جمهور المؤمنين.
لا تحب مها اللون الوردي الذي تم اختياره للفيتراج (الزجاج الملون) خلف المذبح، وكذلك لا تحب المصابيح المزركشة التي تبرع بها الناس. حتى الأيكونوستزيس الكبير (حائط الأيقونات) لم تختره هي، وكانت تفضل حائطاً آخر مكانه، وهي تعترف بأن الحائط الذي يستعمل لتعليق الأيقونات ويفصل ما بين الجمهور والمذبح في الكنيسة الأرثوذكسية يبدو كبيراً جداً في داخل الكنيسة. وقد بني في اليونان وخصص في الأصل ليكون في كنيسة القيامة، ولذلك أراده الجمهور.
عندما تقرر عدم وضع الحائط في القدس، تنافست عليه كنائس حيفا وسخنين، وكانت كنيسة مها هي الأولى التي دفعت للفنان وحظيت بالجائزة. تلخص مها بلان فرح الأمر وتقول: "لقد كانت هذه تجربة مثيرة للاهتمام، لكنها ليست بسيطة على الإطلاق، وأنا اليوم أشعر بأن تصميم منزل للسكن هو أمر مريح."
يتذكر زيدان، والد زوج مها جيداً، الكنيسة الأرثوذكسية القديمة التي كانت موجودة في حارة الكنائس في الحي المسيحي في حيفا منذ أيام الظاهر العمر، ويقول: "هنا كانت ساحة الحناطير واليوم (ساحة باريس)." ويضيف قائلاً: "كانت تقف عربات الخيول المتوجهة إلى يافا والقدس هنا، وهنا كان المدخل إلى السوق. أذكر أن الحمالين كانوا يجلسون هنا ومعهم حبالهم. كانت أمي تختار أحدهم، وكان يتجول معها على طول السوق وهي تحمله بالأغراض. كان السوق كبيراً جداً، وكانت المنطقة برمتها مغطاة بالبيوت، وكنا نمر من بين الأزقة لنصل إلى الكنيسة مباشرة."
ساحة الحناطير في ذلك الوقت واليوم
 من منطقة السوق، حيث تتواجد اليوم في شارع بليام، كان كل من زيدان وأمه يصعدان إلى وادي النسناس، حيث تركزت فيه الجالية العربية بعد عام 1948. يقول زيدان: "كان أبي يعمل في شركة النفط البريطانية وكان قد علق في الميناء خلال الحرب. وعندما وصلت قوات الهجناة اعتقدوا أنه ينتمي إلى القوات الأردنية بسبب الزي الذي كان يرتديه، ولكن عندما اكتشفوا أنه يعمل لدى البريطانيين، طلبوا منه أن يذهب إلى الوادي وأن يختار أحد المباني المهجورة، فقال لهم أن لديه بيت في الحي الألماني، لكنهم قالوا له بان ينسى أمره.
"هل تعرفون من كان يسكن البيت قبلكم؟
"نعم. عائلة صادر".
"هل اتصلوا بكم؟"
"لا، لكنهم تركوا كل شيء على حاله. حتى الأكل كان لا يزال مطبوخاً، ووجدنا اسمهم على الأواني. عندما كانوا يرسلون أدوات القصدير لتصليحها كانوا يكتبون عليها أسمائهم لضمان استردادها."
مها تنظر من المعرض في الكنيسة الأرثوذكسية الجديدة
"حاولوا أسرلتنا (جعلنا إسرائيليين)"
بدأنا نتسلق في أعلى الوادي ومها تلفت نظري إلى بيوت الأغنياء من القرن التاسع عشر التي تتميز بأقواسها في واجهة المنزل وبعدم وجود الباطون. يقول زيدان: "كنت كل يوم تقريباً أصعد هذه الطريق ومعي الخبز الذي كانت تعده أمي، لأنه لم يكن لدينا فرن في المنزل. هنا كان مخبز أبو أنطون." ثم توقف زيدان ليستعيد ذاكرته حول المبنى الذي لا تزال فوقه مدخنة وتابع يقول: "كانت أمي تطلب مني أن أذهب إلى أبو محمد وليس إلى أبو أنطون لأنه كان لديه فرن أكثر تقدماً، وكان علي أن أصعد أكثر في هذه الطريق."
"لماذا فضلتم أبو محمد على الرغم  من أن أبو أنطون كان مسيحياً؟"
يقول زيدان: "لم يكن مهماً سواء كان مسيحياً أم مسلماً. المهم في الأمر أن الطعام كانت جودته أفضل. كنت أصعد في الوادي وأسمع جمال عبد الناصر من كل شرفة. كان يخطب بأسلوب جيد ولكنه كان يطيل الخطاب، وكان هناك بن غوريون يخطب من جهته في إسرائيل،" كما يقول زيدان والابتسامة تعلو وجهه. ويضيف زيدان: "حاولوا أن يجعلونا إسرائيليين. لقد غيروا اسم المدرسة من عربي حيفا إلى الأخوة وفي يوم الاستقلال كنا نجتمع في قاعة، ونغني أغاني تحت أعلام الدولة. في ذكرى ضحايا الحروب كان المدير يعطينا الأزهار ويرسلنا لنضعها في حديقة الذكرى، وعندما مات حاييم فايتسمان أرسلوني مع طالب آخر إلى رحوفوت. قال لنا المدير بأن نأخذ معنا قبعات. كان يقصد "كيبوت-قبعات اليهود"، لكن نحن لم نفهم قصده وأخذنا معنا قبعات من صوف. هل تعرف كم كان الجو حاراً هناك؟"
تم تركيز السكان العرب هنا من بعد 48. وادي نسناس
" خلاصة القول، "لقد  كانت أياماً جميلة،" كما يقول زيدان عندما توقفنا بالقرب من امرأة عجوز كانت منهمكة بتنظيف أوراق الملوخية. ويتابع زيدان: "في المدرسة المهنية، عندما كنا نريد أن نذهب إلى السينما لرؤية فيلم كاوبوي أو غاري كوبر، كنا نقول للمدير اليهودي بأن عندنا عيد وكان يسمح لنا بالمغادرة. بعد ذلك اتصل بالكاهن فأرسل إليه الأخير رزنامة مع كل الأعياد والعطل الخاصة بأعيادنا، فانتهى الأمر."
قبيل انتهاء الزيارة دعتني عائلة زيدان للجلوس على صحن كنافة وقهوة في مقهى فتوش، وهو أحد المقاهي الأولى التي تم افتتاحها في الحي الألماني. "شارع أبو نواس" كما يسمونه الشارع الجميل الذي يبدأ من حدائق البهائيين، وهذا على اسم الشاعر العربي المشهور الذي كان معروفاً بحبه للشراب وبسبب كثرة المقاهي في الشارع.
"لا أظن أن بن غوريون كان يود بأن يذكر ما يتعلق بحانات وأماكن السهر. أظنه كان يفضل أبو نواس لو عرض عليه. قبل ذلك بثلاثة أيام مرت من هنا مسيرة عيد أحد الشعانين. بعدها بيومين مر من هنا مؤمنو كل الطوائف وهم في طريقهم إلى القداس المهم في السنة، في المدينة الأولى في العالم التي يحتفل فيها بعيد الفصح."


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Popular Posts